الرباط ومدريد .. خارطة طريق جديدة

20 مارس 2022آخر تحديث : الأحد 20 مارس 2022 - 12:13 مساءً
admintest
كتاب وآراء
الرباط ومدريد .. خارطة طريق جديدة

بقلم : عزيز لعويسي

موقف إسباني جديد وغير مسبوق بشأن قضية الوحدة الترابية، يضع حدا لسحابة الجمود والتوتر التي خيمت على العلاقات المغربية الإسبانية منذ انفجار أزمة محمد بن بطوش، التي كشفت عنوة عن سيقان مدريد، بعد أن ظلت طيلة عقود من الزمن تعزف على أوثار الغموض وازدواجية المواقف والاستفزاز والابتزاز في علاقاتها مع الرباط، في إطار رؤية غير متبصرة، مشبعة بمشاعر الأنانية والاستعلاء والضغائن والأحقاد.

موقف جديد وغير مسبوق في تعامل مدريد مع قضية الوحدة الترابية، وردت مضامينه العميقة في الرسالة التي بعث بها رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، إلى جلالة الملك محمد السادس، والتي ضمنها عبارات تؤسس لخطاب إسباني جديد قوامه “الاعتراف بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب”، واعتبار مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب منذ 2007 “بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف”، والإيمان الراسخ بما “يجمع البلدين من أواصر المحبة والتاريخ والجغرافيا والمصالح والصداقة المشتركة”.

متغيرات سياسية غير مسبوقة في علاقة مدريد بالرباط، إن دلت على شيء، فإنما تدل على أن الساسة الإسبان استوعبوا بما لا يدع مجالا للشك ما ورد في الخطب الملكية الأخيرة من رسائل موجهة للجيران الأوربيين عموما والإسبان خصوصا، في أن مغرب اليوم، لم يعد قادرا على تقبل ما بات يعتري العلاقات المغربية الأوربية والإسبانية تحديدا من غموض وازدواجية مواقف، ومن استفزازات متكررة ومن ممارسات غير مسؤولة ماسة بالوحدة الترابية للمملكة.

واستوعبوا أيضا متغيرات السياق الجيوسياسي الإقليمي المرتبط بالأساس بقضية الصحراء المغربية منذ الاعتراف الأمريكي غير المسبوق بمغربية الصحراء، وما تلى ذلك من نجاحات دبلوماسية، تقرأ سطورها في دينامية دبلوماسية القنصليات، والإجماع العربي الخليجي حول قضية الوحدة الترابية، وتوسع دائرة الاعترافات بسيادة المغرب على كافة ترابه وبنجاعة الحكم الذاتي كخيار واقعي ذي مصداقية لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، بالموازاة مع توالي حلقات مسلسل سحب الاعترافات بالكيان الوهمي، بكل ما لذلك من إحراج للدولة الحاضنة التي لازالت تراهن على جمهورية الوهم والسراب بشكل عصي على الفهم والإدراك.

الإسبان استمعوا ولو بشكل متأخر، إلى صوت العقل والحكمة، واختاروا طريق المسؤولية والصداقة وحسن الجوار والمصالح المتبادلة، وجنحوا بشكل طوعي نحو الوحدة والأمن والسلام والاستقرار، مستحضرين أن قوة المغرب من قوة إسبانيا، وأن أمن ووحدة واستقرار المغرب من أمن ووحدة واستقرار إسبانيا خصوصا والفضاء الأورو متوسطي عموما، مقتنعين أن الرهان على جارة السوء والانصياع إلى عقيدة البؤس والوهم والانفصال، لن يجدي نفعا، في مغرب كسب مناعة دبلوماسية في ظل ما انخرط فيه من علاقات وشراكات أمنية واستراتيجية وازنة مع عدد من الأشقاء والأصدقاء، وما اكتسبه من نجاعة اقتصادية، جعلته لاعبا مؤثرا في قارة إفريقية، تعد مستقبل العالم.

ما هو واضح وثابت، أن رسالة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، إلى جلالة الملك محمد السادس، كما استعرض مضامينها بلاغ للديوان الملكي، تؤشر على أن جليد الخلاف بين الرباط ومدريد قد ذاب أو على وشك الذوبان على الأقل، وأن صفحة جديدة ستفتح بين البلدين الجارين، ستطلق العنان لتشكيل خارطة طريق جديدة، ستتحكم فيها محددات الوحدة والمسؤولية والاحترام المتبادل وحسن الجـوار والحوار البناء بشأن المشاكل والقضايا الشائكة، والتعاون المشترك في إطار قاعدة “رابح .. رابح”، لما فيه أمن وسلام واستقرار للشعبين الجارين الإسباني والمغربي الذين يتقاسمان التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك.

الموقف الإسباني ينضاف إلى الموقف الألماني، على غرار الموقف الأمريكي ومواقف دول أوربية وأمريكية أخرى، وهذا معناه أن الكثير من الدول خاصة الأوربية، باتت تدرك حقيقة المتغيرات الجيوسياسية القائمة، وتقتنع بمغربية الصحراء وبسيادة المغرب على كافة ترابه، وتؤمن أن زمن “ازدواجية المواقف” لم يعد يجدي وخطاب الابتزاز والاستفزاز لم يعد ينفع، بالنسبة لشريك استراتيجي يحظى بصفة “الوضع المتقدم” في الاتحاد الأوربي من حجم المغرب، الذي يعد بوابة أوربا وأمريكا نحو الأسواق الإفريقية الواعدة.

وعليه، فإذا كانت الجارة الإسبانية قد استوعبت دروس الخلاف بسبب الأزمة البطوشية، وراهنت من جديد على المغرب، فهي تراهن على الأمن والسلام والوحدة والاستقرار والصداقة وحسن الجوار والمصالح الاقتصادية والأمنية والاستراتيجية المشتركة، في ظل ما يعتري النظام العالمي القائم، من مشاهد العنف والحرب والتوتر والقلق والاضطراب، مما يفرض طرح أسئلة الأنانية والنعرات والفتن والدسائس، والجنوح نحو بناء علاقات ثنائية ومتعددة الأطراف، مبنية على قواعد الأمن والسلام والوحدة والاستقرار ولغة المصالح المشتركة، من أجل مستقبل آمن ومطمئن ومستقر للشعوب والأمم، أما من يراهن على لغة التشرذم والفتن والنزاعات، فلا يراهن إلا على طريق البؤس والخراب والدمار، على أمل أن يتم تشكيل خارطة طريق جديدة تؤسس لعلاقات بناءة ومسؤولة ومتوازنة ومستدامة، قوامها الاحترام والسلام والوحدة والاستقرار والتعاون المشترك، ليس فقط مع إسبانيا، بل ومع جميع بلدان الجوار الأوربي .

ونختم بالقول، أن “الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه” و”مغرب اليوم لم يعد كمغرب الأمس”، وقضية الوحدة الترابية للمملكة، باتت الخيط الرفيع والناظم الذي يؤطر وسيؤطر ما يجمع المغرب من علاقات شراكة وتعاون مع الأشقاء والأصدقاء، وفي هذا الإطار، نرى أن الجيران الإسبان قد فهموا الدرس وربما جيدا، واستوعبوا بعمق أن الصحراء المغربية بالنسبة للمغاربة، هي قضية تراب وقضية أمة …وليس أمامهم من خيار، سوى القبول بالأمر الواقع، والإقدام على خطوات أكثر جرأة، من قبيل العمل على افتتاح قنصلية بالصحراء، موازاة مع ما يتطلعون إليه من علاقات وازنة متعددة الزوايا مع الرباط، بعد التورط في فضيحة “بن بطوش”، التي كلفت الإسبان كثيرا .

الاخبار العاجلة