الحكومة تقرر العودة إلى توقيت غرنيتش!

12 مارس 2022آخر تحديث : السبت 12 مارس 2022 - 4:47 مساءً
admintest
كتاب وآراء
الحكومة تقرر العودة إلى توقيت غرنيتش!

في زحمة الغلاء الذي يعيش على إيقاعه المغاربة منذ شهور، وعلى بعد أيام قليلة فقط من ظهور هلال الشهر الفضيل رمضان، قررت حكومة عزيز أخنوش إعادة عقارب الساعة ستين دقيقة من الوقت المعتمد حاليا إلى الخلف. وذلك طبقا لمقتضيات المادة الثانية من المرسوم رقم: 855.18.2 الصادر في 10 صفر 1440 الموافق ل: 26 أكتوبر 2018 المتعلق بالساعة القانونية، أعلنت وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة في بلاغ لها بتاريخ 10 مارس 2022 عن قرار يتم بمقتضاه اعتماد توقيت غرنيتش عند الساعة الثالثة صباحا من يوم الأحد 27 مارس 2022.
ويأتي هذا “التغيير” ليس استجابة لما ظل المغاربة يطالبون به منذ سنوات عبر تواصل الاحتجاجات، أو تبعا لما سبق أن صرح به الناطق الرسمي باسم الحكومة “التجمعي” مصطفى بايتاس في 11 نونبر 2021 حين قال: “جدل الساعة الإضافية مطروح على طاولة الحكومة” وأنه “عندما تتاح لها الإمكانية ستقرر العودة إلى الساعة الرسمية”، بل جاء فقط في إطار ما دأبت عليه الحكومة كلما حل الشهر الأبرك، بدعوى ضرورة التكيف مع خصوصياته، وما يتطلبه من أجواء ملائمة لأداء وممارسة الشعائر الدينية، كما ورد في ذات البلاغ. إذ أن هذا “التغيير” لن يدوم طويلا مادمنا لن نلبث أن نعود إلى إضافة تلك الساعة المنقوصة إلى التوقيت القانوني بعد نهاية الشهر الكريم، ابتداء من يوم الأحد 8 ماي 2022 في الساعة الثانية صباحا. وهو ما اعتبره الكثيرون ضربا من العبث والتلاعب بأعصاب المواطنين ليس إلا.
ولا بأس هنا من استحضار تلك الخيبة التي أصابت المغاربة في عهد الحكومة السابقة برئاسة سعد الدين العثماني الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، حين كانوا يترقبون حلول يوم الأحد 28 أكتوبر 2018 وكلهم أمل في إنهاء العمل بالتوقيت الصيفي والعودة إلى الساعة القانونية وفق توقيت غرنيتش كما كان مقررا حسب مقتضيات المرسوم 781.13.2 الصادر في 21 ذو القعدة 1434 الموافق ل: 28 شتنبر 2013 بتغيير المرسوم رقم: 126.12.2 الصادر في 26 جمادى الأولى 1433 الموافق ل: 18 أبريل 2012 بتغيير الساعة القانونية، إذا بهم يباغتون دون تفسير صريح وواضح بقرار استمرار تلك الساعة “المشؤومة” طوال السنة، وهو القرار الذي نزل كالصاعقة على رؤوسهم ليلة الجمعة 26 أكتوبر 2018.
ثم إن ما يطرح عدة علامات استفهام عريضة ويشكل لغزا عميقا يصعب إيجاد حل شاف ومقنع له، هو لماذا اللوذ بهذا “التغيير” الموسمي في شهر رمضان دون باقي الشهور العربية والميلادية الأخرى؟ هل معنى هذا أن الاستفادة من الأجر والتواب في شهر الصيام والقيام لا تحصل إلا برفع آذان الصلاة حسب توقيت غرنيتش بغير زيادة ولا نقصان؟ ثم ماذا جنى المواطن من هذه “الساعة” غير النكد والإرباك؟ وإذا كان الهدف الحقيقي من إضافتها هو الإسهام في اقتصاد الطاقة كما يزعم المسؤولون، فلم لا يتم العمل مثلا على تغطية جميع الإدارات العمومية والمؤسسات الخاصة وبيوت البسطاء بألواح الطاقة الشمسية، مادام المغرب يعتبر من بين أبرز الدول الرائدة في مجال الطاقات المتجددة؟ وهل هناك من طاقة أفضل من صحة الإنسان التي تعتبر الرأسمال الذي لا يمكن تعويضه بأي طاقة مهما ارتفع سعرها؟
فموضوع الساعة الإضافية (غرنيتش +1) موضوع شائك ومؤرق، إذ مازالت هذه الساعة المفروضة قسرا والمرفوضة كليا من طرف عامة الشعب تثير جدلا واسعا منذ اعتمادها بصفة رسمية في أكتوبر 2018، عندما أقر المغرب مرسوما حكوميا يتم بمقتضاه اعتماد التوقيت الصيفي بشكل دائم ومستقر، تفاديا لتعدد التغييرات التي يمكن إجراؤها خلال السنة.
فإلى جانب احتجاجات التلاميذ والنقابات، طالما تقدمت عديد الجمعيات المناهضة لهذه “الساعة الكارثية” بعرائض استعجالية إلى رئاسة الحكومة، كاشفة عن عمق المشاكل والمخاطر التي تتسبب فيها للمواطنين صغارا وكبار إناثا وذكورا وتضر بمصالحهم، لكن الأمور بقيت على حالها، تتكرر مع مطلع كل موسم دراسي جديد وعند بداية فصل الشتاء من كل عام، دون أن تجدي نفعا تلك الصرخات والتحذيرات الصحية المثبوتة علميا بخصوص الصحة الجسدية والنفسية للأطفال والمتعلمين وسواهم، أمام إصرار المسؤولين على تجاهلها…
ولعل من دواعي المطالبة بإلغاء هذه “الساعة” التي تتذرع الحكومة السابقة والحالية بكونها تساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني والتعاملات التجارية ومواكبة التوقيت الأوروبي، أن لها تأثيرات سلبية على الأسر المغربية وأبنائها وخاصة في فصل الشتاء. حيث أن التلاميذ والأطفال وأولياءهم والموظفين والعمال يغادرون بيوتهم مع طلوع الفجر، ولا يعودون إليها إذا كتبت لهم السلامة إلا عندما يرخي الليل سدوله. ويتضاعف حجم المعاناة لدى تلاميذ العالم القروي من حيث بعد المسافة الفاصلة بين البيوت والمدارس وصعوبة المسالك وغياب النقل المدرسي وهشاشة بنية الاستقبال.
إن التحالف الحكومي الثلاثي مطالب بالتفاعل مع المغاربة في عدة ملفات مطلبية ومن ضمنها ملف الساعة القهرية وغير القانونية، الذي لا ينبغي بأي حال الاستمرار في سياسة الهروب إلى الأمام وعدم التعجيل بمعالجته. إذ يكفي العودة إلى تجارب بعض البلدان من قبيل روسيا والصين والشيلي وغيرها، التي قررت حكوماتها التخلي نهائيا عن العمل بالتوقيت الصيفي، لحماية صحة مواطنيها. ناهيكم عن عدد من الدراسات العلمية الحقيقية التي أثبتت بالملموس مضار وأخطار الساعة المشؤومة.

اسماعيل الحلوتي

الاخبار العاجلة