الجائحة الحقيقية

30 سبتمبر 2020آخر تحديث : الإثنين 24 مايو 2021 - 2:45 مساءً
admintest
كتاب وآراء
الجائحة الحقيقية

عبد العزيز بوسهماين

كلما ابتعدت عن الكتابة وانشغلت عنها بمتاعب الحياة كلما جرتني اليها جرا أحداثُ بلادي ، بلاد العجائب والتناقضات وبلادُ الجرائم المنظمة وغير المنظمة.
أكتب اليوم و قد قُض مضجعي حسرة على ذلك الممرض وذلك المُسعف صاحب بدلة الفضاء ، وذلك الطبيب وذلك الدركي ورجل الأمن ،وذلك العنصر من عناصر القوات المساعدة ، وذلك العون أو رجل السلطة….هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم فجأة في مواجهة مباشرة مع عدو شبح قد يفتك بحياتهم في أية لحظة ، وهُجروا من بيوتهم شهورا متتابعة دون زاد تاركين وراءهم آباءً و أزواجا وأبناءً يموتون مئة مرة كل يوم خوفا من عدم عودتهم كما تخاف الأم على ابنها الجندي في ساحة المعركة … يعيشون آلام الناس ومشاكلهم ومتاعبهم وأمراضهم النفسية والاجتماعية والاقتصادية في الطرقات والأزقة والمستشفيات والبيوت … يبذلون كل ما يملكون … وبدل تحفيزهم وتعويضهم تم الاقتطاع من أجورهم رغما عنهم بدعوى التضامن وتحت ذريعة الأزمة …

حسرةٌ مثلُها انتابتني على ذلك الموظف ورجل التعليم البسيط الذي ظل ينتظر ترقيته ويبني عليها أحلامه و مشاريعه الوهمية والتي صارت فاشلة بسبب قرار توقيف الترقيات بدعوى الأزمة …

حسرتي كانت أكبر على رب أسرة يتوسد هاتفه الرخيص وينُط كلما أصدر الهاتف رنة رسائل لعلها تكون قادمة من صندوق “كورونا” ليتنقل في الصباح الباكر نحو الوكالة المتنقلة ويمضي يومه في انتظار دوره تحت لهيب الشمس ليحصل في الأخير على ألف درهم ويأبى الا أن يساهم بعشرة دراهم على الأقل في ذلك الصندوق “رُجولةً ” منه رغم حاجته …

أما حسرتي الأشدُ مضاضةً فهي على أرملة ليس لها مُعيل ولا أولاد مازالت تسألني عن الرسالة بعد تأكيد شكايتها دون جدوى ، و أخرى لم تتوصل بدرهم واحد من صندوق “كورونا ” غيرة من هذا الأخير عليها من صندوق الارامل الذي يمنحها بعض الفٌتات .

ما سبق لم يكن ليُدمي القلب بهذا الشكل لو أن ، فعلا ، حكومتنا ( الجائحة الحقيقية ) ” زيرات السمطة ” وأغلقت صنابير الريع وأوقفت نزيف الفساد لأن الجميع سيُحس بأننا بالفعل نعيش جائحة وأننا في أزمة تقتضي منا جميعا الصبر والتضامن ولأن المغاربة ” يترجلون ” (بمعنى الرجولة) في المواقف الصعبة …الا أننا نتفاجأ من حين لآخر ببدخ وسخاوة حكومتنا غير الموقرة ، تارة ، على لجنة ضبط الكهرباء وأخرى على لجنة ضبط الاخبار … والأخيرة القاصمة للظهر كانت على لجنة ضبط الإيقاع بكل سخاوة وريع وزبونية… الى أن ضُبطت هذه الحكومة ، بجريمة منظمة ، في حالة تلبس بالنصب والاحتيال على الشعب ،” فانتهى الكلام ” كما قال صاحب السبعة ملايين مشكورا .

الاخبار العاجلة