التعليم بين التقاعد والتقاعس

16 سبتمبر 2014آخر تحديث : الإثنين 24 مايو 2021 - 3:10 مساءً
admintest
كتاب وآراء
التعليم بين التقاعد والتقاعس

يبدو أن حكومتنا ، الموقرة التي صار يحلو للكثيرين نعتها ب “حكومة بنزيدان ” ، رفعت شعار الزيادة في كل شيء يفيذ في ثقب جيوب المواطنين ،وأخذت على عاتقها مسؤولية ملأ الصناديق المفرغة من محتواها ـ في عهد السابقين ـ على حساب المواطنين الذين ساهموا في ملئها أول مرة قبل أن يتم تنظيفها من طرف أيادي معروفة ومختصة في جمع النفايات المالية من المؤسسات العمومية ،ليجدوا أنفسهم مجبرين مرة أخرى على أداء الواجب الوطني عبر أداء ضرائب مادية و أخرى جسدية ونفسية فرضتها حكومة الزيادة بامتياز تحت طائلة انقاذ السفينة من الغرق .
كما يبدو أيضا أن الحكومة المختلطة الحالية وضعت التعليم نصب أعينها ،ليس لاصلاحه ولرد الاعتبار لرجاله ونسائه وانما للقضاء على كل المكتسبات الحقوقية التي ناضل من أجلها السابقون مع الابقاء ـ طبعا ـ على محتواه فارغا وهزيلا وعلى مدارسه بئيسة كئيبة ، مما جعل المتعلمون في مدارسنا العمومية ينشدون نشيدا، بطعم الرثاء ، تحت عنوان “مدرستي البئيسة ” عوض القصيدة المعروفة التي ينشدها أبناء “العفاريت” وأشباههم في مدارسهم الخصوصية “مدرستي الحلوة “.
ضربة موجعة تلك التي تلقتها الشغيلة التعليمية مع الدخول المدرسي الجديد ، بعد أن تم اعفاؤها سابقا من حقها في الاضراب وتم تقزيم النقابات التعليمية واحتواؤها ، حيث سيجد أزيد من 5000 رجل تعليم أنفسهم رهن “التدريس الاجباري ” مجبرين على الاستمرار في تلقين الدروس ـ على مضض لتلاميذ وطلبة متعطشين لمدرسين أكثر حيوية ـ رغم بلوغهم سن التقاعد دون أن يسألهم أحد عن رأيهم لمعرفة مدى قابليتهم جسميا ونفسيا لأداء أخطر مهمة ، مهمة تعليم وتكوين وتربية النوع البشري ، والتي تكاد تصير ” مهمة مستحيلة ” لأشخاص لم يعد يفصلهم عن القبر الا أقل من عشر سنوات حسب قول الصادق الأمين ، صلى الله عليه وسلم ، الذي أخبرنا أن عمر أمته بين الستين والسبعين ، مع العلم أن الانسان تتراجع امكانياته وقدراته مابعد الستين أو حتى قبلها ويصير في حاجة ماسة الى الراحة والعناية الصحية والنفسية المركزة و الملائمة للاستعداد للرحيل .
ليت الأمر يقتصر على هذا العدد الذي من الفروض أن يحال على التقاعد نهاية 2014 ، بل تريد الحكومة في غقلة من النقابات التعليمية ،وفي ظل حالة السبات العميق الذي تعيشه المعارضة المندحرة ، رفع سن التقاعد بالنسبة للوظيفة العمومية الى 62 سنة ابتداء من فاتح يوليوز 2015 ورفعه تدريجيا بواقع ستة أشهر كل سنة الى أن يصل الى 65 سنة ابتداء من يوليوز 2021 ، مما يعني أن مجال الراحة المخصص للموظفين المغاربة قبل الموت ،والأعمار بيد الله، سيتقلص مستقبلا الى خمس سنوات تقريبا .
صحيح أن هناك من الموظفين من يضجرون من الوصول الى سن التقاعد ويفضلون الاستمرار في العمل خوفا من روتين الحياة أو عزوفا عن الجلوس في مقاهي “ضامة ” و” الكارطة ” أو هروبا من ” نكير الحاجة ” أو بسبب الفقر والحاجة التي ورثها من الوظيفة . لكن هل سألت الحكومة نفسها أو بعضها البعض عن مدى كفاءة هؤلاء ونجاعتهم في أداء مهامهم ورسالتهم بالنظر الى حالتهم الصحية والنفسية التي غالبا ما تكون حرجة بعد الستين ولا تسمح لهم بالاستمرار في العطاء بنفس الايقاع ، مما يعرض أداء المهام المسندة اليهم الى التراجع بشكل طبيعي ،وبالتالي نضرب مبدأ الحكامة الوظيفية والمهنية في العمق ، ونعرض مستقبل الأمة الى الهاوية وليس الى التقدم والنماء .
ومن المؤكد أن مهمة التدريس تصير شبه مستحيلة بعد الستين خاصة في الصفوف الابتدائية والاعدادية ،لأنه على مشارف الستين يكون الجهاز العصبي للمدرس قد أوشك على الانهيار تماما بفعل “سنوات الضياع ” التي عاشها بين جدران المدرسة الكئيبة وبيت الكراء وبين بؤس التلاميذ و وقهر ديون البنك و” مول الحانوت “.
وفي الوقت الذي تقرر فيه الحكومة رفع سن التقاعد للمدرسين ـ أولا كفئران تجارب ليتبعها لاحقا كافة الموظفين ـ تلجأ أيضا في شخص وزير التربية الوطنية الى حرمان فئات عريضة منهم من متابعة الدراسة للحد من طموحاتهم الأكاديمية ولتثبيتهم في مواضعهم ومهامهم بعدما تمكنوا هم ، صقور الحكومة ، من متابعة دراساتهم في عهد الحكومات السابقة بالموازاة مع وظائفهم التعليمية وغيرها وحصلوا على عدة شواهد وديبلومات ليتسلقوا بها السلالم والمناصب ويصيروا وزراء في حكومة صارت تحارب مكتسبات رجال التعليم وحقوقهم في تطبيق حرفي للمقولة الشعبية ” خوك فالحرفة عدوك “.
هذا عن سن التقاعد الذي تروم الحكومة الزيادة فيه على غرار باقي الزيادات في البر والبحر والجو كحل ترقيعي لسد الثقب الحاصل في نظام صندوق التقاعد بالموازاة مع شعار ” عفا الله عما سلف “، أما التقاعس فهو شعار اخر رفعته الحكومة منذ مجيئها للحيلولة دون الانتباه للمشاكل الجوهرية التي تعيشها المنظومة التعليمية ببلادنا والتي لن نخوض فيها لأن أصغر طفل في الابتدائي يستطيع تشخيصها ويستطيع اقتراح حلول معالجة بعضها ،وكأن بالحكومة تريد من التعليم العمومي أن يظل كما وجدته أو أسوأ ، تاركة المجال للتعليم الخصوصي الرأسمالي لامتصاص ما يمكن امتصاصه من أبناء الأسر الميسورة والأسر المتسلقة سلم اليسر ” على عين بنادم ” ،وذلك من أجل افراغ المدارس العمومية والتخلص من تكاليفها من جهة ،ومن جهة أخرى للمحافظة على تقسيم الشعب الى فئتين ، فئة الأسياد وفئة العبيد ، رغم ضعف الفارق بين المردودية التعليمية بين الفئتين اللهم الفارق الكبير في الشكليات والامكانيات وفي مصدر الشواهد المحصل عليها والتي غالبا ما تحمل أشبال الفئة الأولى الى الوظائف السامية في حين ترمي بباقي أبناء الفئة الثانية للبطالة وفي أحسن الأحوال لوظائف السميك أو ما فوقها بقليل .

بقلم : ذ.عبد العزيز بوسهماين

الاخبار العاجلة