التصوف بصيغة المؤنث: لالة “تاعلات”…رابعة سوس وملهمة فقهاء

11 أكتوبر 2022آخر تحديث : الثلاثاء 11 أكتوبر 2022 - 11:18 مساءً
أشرف كانسي
ثقافة وفنون
التصوف بصيغة المؤنث: لالة “تاعلات”…رابعة سوس وملهمة فقهاء

أمينة المستاري

عرفت سوس أسماء عديدة لنساء عالمات، عابدات، صالحات، ذكرت أسماؤهن ضمن مجموعة من النساء المغربيات الصوفيات، الزاهدات اللواتي عرفن بالصلاح والورع، وصرن عنوانا للتصوف، في وقت كان حكرا على الرجال.

فالمجتمع السوسي اشتهر بأعلام النساء الفاضلات منهن من طواهن النسيان، عبر التاريخ، من أميرات وفقيهات وعالمات، ومنهن من ذكرت أسماؤهن في بطون الكتب كالمعسول للمختار السوسي…لكن “لالة توعلات” أكثرهن تأثيرا في الذاكرة التاريخية للمنطقة لاسيما بين الفقهاء والطلبة.

لكن من هي “لالة تاعلات”، المتصوفة اندمجت في مجتمع ذكوري في حياتها، واستقطبت الآلاف لزيارة قبرها بعد مماتها؟  إنها فاطمة بنت محمد تاعلات أو توعلات نسبة إلى انتمائها ل” أيت علا” بقبيلة تاسكدلت بإيلالن توفيت عن سن يناهز 110 سنة…امرأة أمازيغية، عابدة متعبدة زاهدة متصوفة، تتحدر من قرية إيمي نتاكاض ، وصفت بالمرأة الصبورة، العصامية، المتصوفة الزاهدة، العابدة…وهبت حياتها لطلبة المدارس العتيقةن كما وهبت أيضا كل مالها لحفظة القرآن، حتى تحول ضريحها بجماعة “تاسكدلت”، باشتوكة آيت باها، إلى قبلة لهم وحج يقصده الفقهاء وطلبة المدارس العتيقة كل سنة بالآلاف، ويعتبر موسمها “الروحي” الرجالي فاتحة المواسم الروحية بجهة سوس .

تزوجت يوم 12 من الشهر 12  خلال القرن 12 الهجري…تاريخ غير عادي، بزوج تروي قصص عديدة عن قسوته، عرفت بكونها عقيم التي لا تنجب، وكان شريك حياتها مزواجا، تعرضت للعنف الزوجي، وحسب بعض الروايات، قيل إنه كان يخالفها الرأي في مسائل فقهية لاسيما جواز التوسل بالأولياء ساعة الشدة والكرب.

واعتبرت “لالة تاعلات” زعيمة روحية بمنطقة هيلالة، جاورت رجال العلم في مجتمع محافظ ذكوري يعتبر التصوف حكرا على الرجال، وكسرت القيود التي كانت تحكم وسطها الاجتماعي. أحبت العلم والفقه والدين بشغف، وزهدت في متع الدنيا، صبرت على عنف زوجي، بكثرة العبادة والصلاة، وتمكنت من حفظ القرآن وتلاوة الأدعية والمتون الفقهية، كما وجهت اهتمامها للمدارس العتيقة، وكان يقصدها الناس لتتقدمهم بالدعاء في سنوات الجفاف، عاصرت السلطان مولاي اليزيد العلوي الذي توفى قبلها بسنة، وبعد موتها سنة 1207 هـ، قام القائد الحاج احمد إكني الحاحي، قائد تارودانت سنة 1255 هـ، ببناء ضريح على قبرها.

قامت “رابعة زمانها” بأعمال خيرة وشهد لها بعض رجال الفقه والعلم، من قبيل العلامة سيدي امحمد بن صالح المعطي البوجعدي، الذي راسلها يطلب منها الدعاء له، كما ذكرها الفقيه البوقدوري في كتابه قبائل هلالة. “لالة تاعلات” بلغ بها احترام رجال الفقه والدين وطلبة المدارس العتيقة إلى درجة تخصيصها محاصيلها الزراعية بأراضيها خلال حياتها، وفي مماتها تم تخصيص مداخيل الضريح لفائدة المدرسة العتيقة “لالة تاعلات” المتواجدة على مقربة منه، حتى سميت ب”ملهمة” الرجال  الفقهاء والقيميين الدينيين، يقدرونها بعد مماتها كما قدروهم خلال حياتها، يحترمون ذكراهان ويواظبون على زيارة قبرها كل سنة، فيتنافس الطلاب بكل مدرسة عتيقة على امتداد  أسبوع لقراءة القرآن “تحزابت”، البردة والهمزية ..موسمها يأتيه الحجيج من كل فج بجبال سو، ويعد فرصة للتواصل بين طلبة العلم والفقهاء وتعارفهم وتبادل معارفهم، والتداول في القضايا الشرعية… حتى أصبح موسمها قبلة للعديد من العلماء والباحثين في الأمور الدينية.

وذكر الفقيه البوقدوري أن “تاعلات” كانت تنظم قصائد شعرية أمازيغية سوسية، في التوسل والإرشاد ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم، منها قصيدة تضم 50 بيتا شعريا.

احترمها الفقهاء ورجال الدين، وأصبحوا يقصدون موسمها للاعتكاف بمقصورة الضريح، في الخميس الأول من مارس الفلاحي، ويتنافسون على التبرك بقبرها، ليس عن جهل، ولكن تعبيرا عن احترامهم لها وتقديرهم لسيرتها، يفدون عليه من كل مكان بالمغرب وخارجه، يخصص لهم اليوم الأول من الموسم، يقضون فيه الساعات الطوال لقراءة القرآن في خشوع، فهم في حضرة ولية صالحة غير عادية، فيما تغيب النساء عن الموسم ولا يظهرن بكثرة إلا في اليوم الأخير من الموسم، فتقف العشرات على باب الولية في شكل طوابير، ليختتمن الموسم الذي يبصم عن علامة فارقة من التصوف النسائي ، في وقت كان التصوف لصيقا بالرجال.

الاخبار العاجلة