التربية الاسلامية وتحديات عصر العولمة من أزمة القيم والاخلاق الى قصور المنهاج التعليمي للمادة

23 أكتوبر 2022آخر تحديث : الأحد 23 أكتوبر 2022 - 11:48 صباحًا
admintest
كتاب وآراء
التربية الاسلامية وتحديات عصر العولمة من أزمة القيم والاخلاق الى قصور المنهاج التعليمي للمادة

ذ. محمد بادرة

في كتابه “نهاية الانسان” يحذرنا (فرنسيس فوكو ياما) ان العالم يسير الى الجنون بسرعات متزايدة في اتجاه سقف التاريخ حيث ثمة منهج للجنون بات متحكما في سقف التاريخ وقد يدفعه الى نهر الجنون، ومن هنا تأكيده الى ان تحذيراته في هذا الكتاب هو صيحة انذار في وجه هذه الحداثة المتوحشة وهذا التقدم اللامنضبط السريع والخطير خصوصا في مجال البيو تكنولوجيا التي لا تضبطها القيم الاخلاقية ولا الدينية مما يهدد بولادة الانسان المسوخ واحتمال ان تغير الطبيعة البشرية من مكوناتها وصورتها وتندفع بالتالي الى ما بعد البشرية من التاريخ.
هنا تكمن اهمية المرافعة التي يقدمها الكاتب الأمريكي الياباني الاصل (فوكو ياما) في كتابه عن نهاية الانسان خوفا من تحويل الاجيال المقبلة الى اشباح ومسوخ بشرية بلهاء وخالية من روح الابداع مما يهدد من انطفاء جذوة كل القيم الدينية والانسانية وكل الابداعات الحضارية. ان استحداث “دين” بيو تكنولوجي جديد يفصل العالم والبشرية وفق هندسة وراثية وعمليات استنساخ النسل في اتجاه انتاج سوبرمان جديد ستدمر قانون التطور البشري الفطري وهو ما سيؤدي الى هدم سقف التاريخ على من فيه.(تركي علي الربيعو)
اذا كان الغرب يسعى الى اقامة صفقة مع “الشيطان” ضد الانسان من خلال هدم القيم الدينية فهل تستطيع البشرية وقف هذا المد المدمر للعالم؟
ان البشرية تستطيع تجاوز كل الفلسفات والنظريات المعادية للطبيعة الانسانية ولقيمها الدينية والثقافية عبر الية واحدة هي التربية الشاملة المعتمدة على المقاييس الاخلاقية وعلى نتائج الثورات العلمية والتكنولوجية، هذه التربية الشاملة هي القادرة على ان تعيدنا الى احضان ادياننا كعقائد وايمان ورؤية وجدانية روحية للكون والطبيعة والانسان والمجتمع وهي القادرة في نفس الان على ان تسير بنا الى التقدم والى عصر التقنية.
ان جميع المربين في العالم متبرمون من الحياة التربوية المعاصرة ايما تبرم وقلقون ايما قلق، فالمجتمع الحديث يشكو من مشكلات وقضايا خطيرة ومتعددة من ازمات اقتصادية واجتماعية وثقافية وتهديدات طبيعية وبيئوية، وفشل في تحقيق كثير من الآمال والاحلام، واحساس بالاغتراب امام الثورات العلمية والتقنية… انها تحديات لم تستطع الكثير من النظريات التربوية المعاصرة من تطوير اهدافها بما يتفق مع اهداف هذه الثورات من جهة ويحقق وجود الفرد كانسان كامل الانسانية يساهم في نهوض المجتمع الى الحياة المدنية اللائقة من جهة ثانية.
النظريات التربوية الحديثة انقسمت في توجهاتها اما بالاعتماد في اهدافها العامة على مقاييس اخلاقية وثقافية او التطرف في اعتماد التجربة العلمية بعيدا عن الاعتبارات الخلقية بمفهومها الديني والاخلاقي حتى قيل ان للعلم اخلاقيته الخاصة التي لا تحتاج الى نظام اخلاقي اخر، كما ظهرت نظريات اخرى ثارت على كل شيء -باسم الحرية- وذلك بجعل الثورة والتمرد الغاية الاسمى للتربية مع دعوة الافراد والشباب خصوصا الى التمرد على القيم الاخلاقية و على الاديان مع الافراط في الماديات والملذات والعبث والاباحية والركون الى عالم التكنولوجيات التراكمية في حين ترى فلسفة التربية الاسلامية ان العملية التربوية والتعليمية لا تتم في المدرسة وحدها وانما تتم في المسجد والكتاب والمدرسة والرباط والزاوية وفي السوق لان العملية التربوية في نظر الفلسفة التربوية الاسلامية ليست احتكارا تتولاه المدرسة والجامعة وانما هي مشاركة بين جميع الفعاليات في المجتمع لتامين التربية والتعليم لجميع افراده وتحقيق قيام ما يسمى (المجتمع المتربي) الذي ينادي به المربون المحدثون.
التربية الاسلامية هي تربية شاملة في اهدافها ومقاصدها لا تقر التفريق بين الانسان ككائن بشري كامل الانسانية وبين طموحه الى حياة مدنية حديثة لتمكينه من الاستفادة من ثمار الثورات العلمية والتقنية والمعلوماتية.
فلماذا استطاعت التربية الاسلامية في الماضي من اخراج الانسان من ظلمات الجهل والجاهلية المتخلفة وعجزت اليوم من مساعدة هذا الانسان على التخلص من حالة الارتباك والضعف امام تحديات هذا العصر؟؟؟
هل هناك حملة تشكيك بالمعطيات الاسلامية والزعم بان الدين الاسلامي لم يقدم اي منهج خاص في حقل التربية؟ ولماذا يزعم الحاقدون والمنتقدون بان عبارة “التربية الاسلامية” نفسها لا تخرج عن كونها شعارا عاطفيا يردده المسلمون على غير اساس علمي ؟؟
الحاقدون على ” التربية الاسلامية” وضعوا المفاهيم الاسلامية للحضارة في قفص الاتهام والحكم عليها بانها ليست في مستوى الطموحات الانسانية المعاصرة الرامية الى توفير الاستقرار والتطور والازدهار لبني البشر و تواترت هذه الاطروحات تحت اشكال وعناوين مختلفة بل انعقدت وتعقد من اجلها مؤتمرات وندوات عالمية واقليمية وبعضها يسعى الى انتزاع الفرد المسلم من بيئته الاسلامية وزجه في البيئة الثقافية الغربية بواسطة غسل دماغه من تراثه القومي والديني وتفريغ عقله من مسلمات هذا التراث وتجهيزه لا شعوريا لقبول ما يوحى اليه تحت شعار الدراسات العلمية و نظريات الحداثة والتطور !! يطالبوننا ان نتحلى بالشجاعة الفكرية ونناقش عقيدتنا الاسلامية بدون الخلفيات الايمانية التي تشدنا الى هذه العقيدة لكي يتسنى لنا فهمها من دون القيود التي يفرضها علينا انتماؤنا لهذه الحضارة وهذه الخلفيات الايمانية يزعمونها قيودا عاطفية !!!
التربية الاسلامية وصراع الثقافات : كيف السبيل لوقف التحدي وتطوير الاليات والبرامج ؟
في فترة ما يسمى بعصر النهضة في العالم العربي وما بعدها قامت ثورة فكرية على التراث وعلى التقاليد باسم العلم والعقل اللذان يخضعان كل شيء للفحص والتجريح والنقد بما في ذلك السلطة الدينية والسلطة السياسية اللتان تحكمان باسم الثابت والمقدس وبما في ذلك ايضا النصوص الدينية المقدسة، انهم رواد هذه المرحلة يريدون ان تكون ثورة فكرية كما حصل في الغرب حيث تحققت القطيعة الأبستمولوجية مع الماضي الاوربي، لكن الغرب حين قام بالمراجعة النقدية للتراث الفكري والسياسي والديني واكب ذلك نهوض طبقة بورجوازية ليبيرالية سعت الى تحرير المؤسسات من طابعها الديني واعطائها طابعا دنيويا.
من الاكيد ان انتشار هذا الفكر التنويري خارج البلدان الاوربية قد احدث للبيئات الثقافية التي انتشر فيها عنفا وصدمات كبرى، لكن لم تعي نخبنا الثقافية وطبقاتنا السياسية جيدا طبيعة هذا التحول ولم تنتبه الى ان هذا التحول يعود في جوهره الى حركة التنوير التي فصلت بين الدين والحياة العامة، واصبحنا امام تشكيلة تاريخية جديدة تختلف عن تلك التي واجهتها بلداننا في العصور الوسطى كالحركات الصليبية، لكن عملية اكتشاف سر هذا التحول تطلب منا زمنا طويلا لنتمكن من استيعابه وفهمه بعد مرور فترات طويلة اضعنا فيها الكثير من الجهد والزمن وليس معنى ذلك ان أن تاريخنا وتربيتنا يخلوان من اي ارهاصات تنويرية ومحطات مضيئة لكنها مجهضة.
اننا نتساءل كل يوم بعد تزايد وتيرة الانفجار المعرفي والرقمي وتراكم نتائجها وثمارها التكنولوجية والمعلوماتية، الم يكن بالإمكان تطوير المؤسسات التربوية الدينية (الكتاب – الجامع – المدرسة العتيقة الزاوية – الرباط ..)؟ لماذا مكون مادة التربية الاسلامية في مدارسنا وجامعاتنا وفي واقعنا المعاصر يواجه تحديات في تكوينه العلمي والتربوي والتواصلي وكذا في الممارسة البيداغوجية داخل الفصول الدراسية مما يحد من قدرتنا على تطوير الممارسة التعليمية في مادة التربية الاسلامية؟؟
حدد الدكتور خالد الصمدي مع ثلة من الكتاب والباحثين المتنورين دليلا منهجيا وتربويا لتطوير اساليب ادماج التربية الاسلامية في المناهج التعليمية، منها خصوصا اعادة النظر في بناء المناهج التعليمية للمادة في كل المستويات التعليمية على اسس جديدة تستثمر التجارب الايجابية في تراثنا التعلمي وتراث الانسانية عموما.
وعرض الاستاذ الباحث التحديات التي تعانيها مادة التربية الاسلامية، وقسمها الى قسمين:
تحديات من داخل المادة:
هامشية موقعها في المنهاج التعليمي من حيث حصصها الدراسية والتي تعاني بصفة دائمة من الضعف بالمقارنة مع غيرها من المواد الدراسية، بل يتم التضحية بها للزيادة في حصص مواد علمية او ادبية او تقنية على حساب مادة التربية الاسلامية ( ساعة واحدة في الشعب العلمية لمستوى السنة الثانية باكالوريا).
عدم تطوير برامجها لتستوعب المستجدات المعاصرة المرتبطة بسلوك المتعلم كالإعلام والتواصل والبيئة وحقوق الانسان وقضايا الاسرة والاقتصاد وغيرها من المواضيع التي يملك فيها الاسلام منظومة متكاملة من المبادئ والقيم والاحكام دون ان نجد لها اثرا في مناهج التربية الاسلامية.
وجود قصور كبرى في برامج تكوين مدرسي التربية الاسلامية بحيث نجد خرجين من كلية التربية يدرسون المادة دون ان يكون لهم تكوين في علوم الشريعة (القران والحديث والسيرة النبوية والفقه والعقيدة وغيرها) كما اننا نجد مدرسي المادة لا يملكون العدة العلمية المتعلقة بعلوم الشريعة، كل ذلك يجعل الحاجة ماسة الى مناهج متكاملة لتكوين مكوني المادة تجمع الجانبين العلمي والتربوي الى جانب التكنولوجي التواصلي
تحديات من خارج المادة :
تحديات اجتماعية في مجال القيم وخاصة على مستوى التنشئة الاسرية التي يتلقاها التلميذ في البيت والتي تقترب او تبتعد من النموذج الاسلامي المنشود.
تحديات اعلامية بما تحمله من مغريات جذابة على مستوى طرق نشر الرسالة الاعلامية سواء عبر الفضائيات او شبكة الانترنيت او غيرها من الوسائل الاعلامية والتي تحمل للناشئة العديد من الرسائل المناقضة للقيم والمبادئ التي يتلقونها في مادة التربية الاسلامية
كما ان من التحديات الاخرى عدم القدرة على تحويل المحتوى المعرفي للتربية الاسلامية من مادة علمية الى مادة تعليمية فاذا كان محتوى برامج المادة يشمل على مواد علوم الشريعة ويضم معارف عديدة مستمدة من مصادر المعرفة الاسلامية من علوم القران وعلوم الحديث والعقيدة والفقه فان هذه المادة العلمية تحتاج الى منهجية تربوية وتواصلية من اجل تحويلها الى مادة تعليمية تربوية مناسبة لمستوى المتعلمين ومؤثرة في سلوكاتهم وتصرفاتهم.
وكذلك عدم القدرة على تجديد خطاب التواصل في مادة التربية الاسلامية نظرا لعدم قدرة مكوني المادة على تجديد لغة الخطاب التعليمي الموجه الى التلاميذ في المادة فقد يكون المدرس حاملا ومستعملا لمفاهيم ومصطلحات علمية شرعية ولغة فقهية واصولية الا ان العملية التعليمية تحتاج الى اعادة تكييف الخطاب العلمي ليتحول الى خطاب تربوي تعليمي لا يستعمل بالضرورة لغة الفقيه بل يقدم المادة الفقهية بلغة المتعلمين ومخاطبتهم على قدر عقولهم وبحسب حاجاتهم (ازمة التعليم الديني في العالم الاسلامي د. خالد الصمدي).

الاخبار العاجلة