الباجدة ووهم العودة!

26 مايو 2021آخر تحديث : الأربعاء 26 مايو 2021 - 1:04 مساءً
admintest
كتاب وآراء
الباجدة ووهم العودة!

بنفس نبرة المتفائل بالعودة إلى تصدر نتائج الانتخابات المزمع تنظيمها خلال صيف عام 2021، التي ما انفك يعتمدها سعد الدين العثماني الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة أمام البرلمان وفي معظم خرجاته الإعلامية المثيرة أحيانا للسخرية، يطل علينا من وقت لآخر بعض قياديي الحزب لتأكيد ذلك بتبجح مفرط. والحال أنهم لا يعملون سوى على محاولة إيهام أنفسهم بنصر لم يعد ممكنا، بعد أن بارت تجارتهم في التلاعب بعقول الناس ودغدغة عواطفهم، تعددت فضائحهم داخل المغرب وخارجه، وانكشف زيف ادعاءاتهم وازدواجية خطابهم. ويأتي في مقدمة القائمة الكاتب الوطني لشبيبة الحزب ووزير الشغل والإدماج المهني محمد أمكراز.
فأمكراز هذا أو “الوزير الأعجوبة” كما وصفه رئيس الحكومة بتفاخر ذات تصريح إعلامي سابق، كان قد تورط هو الآخر مباشرة بعد انفجار فضيحة زميله في الحزب والحكومة المصطفى الرميد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان في ما عرف إعلاميا بفضيحة عدم التصريح لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بمستخدميهم في مكتبيهما للمحاماة بمدينتي الدار البيضاء وأكادير، فضلا عن فضائح أخرى. وهو نفسه الذي صرح بلا خجل ولا وجل في لقاء نظمته شبيبة الحزب في مطلع الأسبوع الثاني من شهر ماي 2021، بأن حصيلة الحزب جد مشرفة داخل الحكومة وفي المجالس المنتخبة، داعيا شباب الحزب إلى الاعتزاز بذلك، ومؤكدا كذلك على أن حزبهم بات مؤهلا للعودة إلى اكتساح صناديق الاقتراع والتربع على رئاسة الحكومة لولاية ثالثة وقيادة معظم المجالس الجماعية، دون أن ينسى مهاجمة باقي الهيئات السياسية الأخرى، سواء منها تلك التي توجد في المعارضة أو الأغلبية…
وإذ نتفهم في هذه الأيام تدافع الأحزاب السياسية وخاصة منها أحزاب المعارضة، ونقدر رغبتها الملحة في أن تحظى بثقة الناخبات والناخبين عبر صناديق الاقتراع، وأملها الكبير في أن تمنح لها هي أيضا فرصة تدبير الشأن العام خلال الولاية القادمة في إطار التداول على السلطة، للكشف عن مدى قدرتها على تحقيق ما لم تستطعه حكومتا البيجيدي الخائبتان، والنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للبلاد والعباد. فإن ما لا يمكن تفهمه واستيعابه، هو كيف لقياديي حزب العدالة والتنمية الذي قاد الحكومة طوال عشر سنوات، عرف خلالها المغاربة كل ألوان الظلم والقهر والإحباط والخذلان والضربات الموجعة والإجهاز على أهم المكتسبات الاجتماعية، مما جعل الكثيرين منهم صغارا وكبارا يلوذون بالهجرة الفردية والجماعية، الادعاء أنه بمقدورهم كسب رهان الاستحقاقات الانتخابية القادمة؟
فالمغرب كما يشهد بذلك العالم عرف حقا عدة تطورات كبيرة، بفضل سلسلة من الإنجازات الواعدة والمشاريع التنموية التي ما انفك يطلقها ملك البلاد محمد السادس منذ تربعه على العرش، لكنه شهد في المقابل نكوصا صارخا على مستوى الحقوق والحريات، ومجموعة من الإخفاقات في ظل حكومتي حزب “المصباح” سواء السابقة بقيادة صاحب المعاش الاستثنائي (الإكس إكس إل) عبد الإله ابن كيران أو الحالية برئاسة سعد الدين “البكماني”، حيث تأكد للجميع بمن فيهم مؤيدو الحزب وأنصاره أنهما لم تكونا على قدر المسؤولية وترجمة الوعود والشعارات إلى حقائق ملموسة، ولم تعملا للأسف سوى على تعميق الجراح من خلال مراكمة الفشل وتأجيج نيران الاستياء والغضب، عوض الارتقاء إلى مستوى الطموحات الملكية وتطلعات الجماهير الشعبية…
ذلك أنه على عكس ما يحاول “الباجدة” الترويج له من حصيلة وهمية، فإن حزبهم لم يفشل فقط التدبير الحكومي، بل فشل أيضا في تسيير عدد من المجالس الجماعية خاصة في المدن الكبرى، لافتقار أعضائه إلى الخبرة والكفاءة اللازمتين، ويظهر ذلك واضحا من خلال عدة مؤشرات يمكن إجمالها في غياب روح المواطنة والحس بالمسؤولية كما تدل على ذلك الأحكام الصادرة في حق بعضهم والملفات المعروضة على أنظار المحاكم، جراء تعدد الخروقات وسوء التدبير وغياب الحكامة وتردي الخدمات وتراكم العجز المالي وارتفاع معدل المديونية، وغيرها كثير، مما أفقد الحزب شعبيته وساهم في تآكل مصداقية قادته، وتراجع منسوب ثقة المغاربة في العمل السياسي والمؤسسات المنتخبة. إذ بالإضافة إلى ما عرفه الأداء الحكومي من بطء شديد وعجز واضح في تنفيذ التوجيهات الملكية، لم يستطع الحزب الأغلبي الوفاء بالوعود التي قطعها على نفسه إبان الحملات الانتخابية، من حيث إحداث التغيير المنشود وتجويد ظروف عيش المواطنين، محاربة مختلف أشكال الفساد والريع، الحد من معدلات الفقر والأمية والبطالة والفوارق الاجتماعية والمجالية، وغيرها من الشعارات الشعبوية غير المجدية…
إن حكومة البيجيدي فضلا عما طالها من تعديل وزاري موسع بأمر من عاهل البلاد، أدى إلى تقليص أعضائها من 39 وزيرا إلى 24 فقط، وتعزيزها بشخصيات وطنية ذات كفاءات عالية واحتفاظ جل وزراء القطاعات السيادية والاقتصادية بمناصبهم، قصد التعجيل بتنزيل بعض المشاريع العالقة وابتكار حلول ملائمة للمشاكل والأزمات المطروحة في التعليم والصحة والشغل، فإن ذلك كله لم يجد نفعا في الرفع من أدائها وتجويده، مما يثبت أن الخلل الأكبر يكمن بالدرجة الأولى في القيادة التي يعوزها الكثير من النبوغ والحكمة والرؤية الاستشرافية لمعالجة عديد الملفات. فكيف لمن اتسم تدبيرهم للشأن العام والمحلي بالارتجال والانفراد بالقرارات، ولم يستطيعوا الاضطلاع بمسؤولياتهم كاملة خلال الظروف العادية، أن يكون بمقدورهم مواجهة ما بلغته الأوضاع من ترد، والتي تفاقمت بفعل ما خلفته جائحة كورونا من آثار اجتماعية واقتصادية فظيعة وموجعة؟

اسماعيل الحلوتي

الاخبار العاجلة