الانتخابات في مرآة خطاب ذكرى 20 غشت

23 أغسطس 2021آخر تحديث : الإثنين 23 أغسطس 2021 - 10:40 مساءً
admintest
كتاب وآراء
الانتخابات في مرآة خطاب ذكرى 20 غشت

بقلم: عزيز لعويسي

حلت الذكرى 68 لثورة الملك والشعب في سياق داخلي خاص مرتبط بالاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وبالتزامن مع مرحلة جديدة من المشاريع والإصلاحات في إطار تنزيل النموذج التنموي الجديد، وبتفعيل الميثاق الوطني من أجل التنمية، وهي استحقاقات انتخابية ستجري بمستوياتها التشريعية والجهوية والمحلية خلال نفس اليوم، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ المسار الديمقراطي والانتخابي المغربي، بشكل يؤكد كما أشار إلى ذلك، الملك محمد السادس في خطاب موجه للأمة بمناسبة الذكرى المجيدة، “عمق الممارسة الديمقراطية، ونضج البناء السياسي المغربي” ، لكن وعلى الرغم من أهمية هذه النقلة الديمقراطية والسياسية في التعامل مع الشأن الانتخابي، فالانتخابات تتجاوز الجوانب التنظيمية والتقنية والعملياتية على الرغم من أهميتها، ولابد أن ينظر إليها كقناة لامحيد عنها، من أجل إدراك مؤسسات قوية ذات مصداقية، لها من القدرات والأدوات ما يجعلها تكون خادمة للمواطن ومعبرة عن احتياجاته وتطلعاته، ومدافعة بجرأة وشراسة عن قضايا الوطن ومصالحه العليا، وهو ما عبره عنه الملك بقوله : “إن الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لإقامة مؤسسات ذات مصداقية ، تخدم مصالح المواطنين، وتدافع عن قضايا الوطن”.

وإذا كان الملك محمد السادس، قد وضع النقط على الحروف، بإثارته لما تـعرض له المغرب في الآونـة الأخيرة، من هجمات مدروسة، من طرف بعض الدول والمنظمات المعروفة بعدائها التاريخي لبلادنا، فالتصدي لكل المؤامرات والدسائس الخارجية، يمر قطعا عبـر ضرورة التوفر على مؤسسات وطنية قوية مشهود لها بالمصداقية والمسؤولية، من منطلق أن قوة الدولة مرتبطة بقوة مؤسساتها، وعبر الوحدة وتقوية الجبهة الداخلية بكل مكوناتهـا، وفي هذا الإطار قال الملك : “نؤمن بأن الدولة تكون قوية بمؤسساتها، وبوحدة وتلاحم مكوناتها الوطنية. وهذا هو سلاحنا للدفاع عن البلاد، في وقت الشدة والأزمات والتهديدات”، وبمفهـوم المخالفة، يصعب على أية دولــة أن تبصم على سياسات خارجية ناجعة وتتصـدى لما يهددها من هجمات ودسائس ومؤامرات، ما لم تكـن مستندة على مؤسسات وطنية قويـة ذات مصداقيـة، ومدعومة بجبهـة داخلية موحـدة ومتجانسة وملتفة حـول الوطن وقضاياه الاستراتيجيـة.

ونحن على بعد أيام من انطلاق الحملة الانتخابية قبل خوض رهان استحقاقات ثامن شتنبر، لابد أن نكون أفرادا وجماعات وخاصة الأحزاب السياسية المنشغلة بهواجس الحصاد الانتخابي، لابد أن نكون على وعي وإدراك، في أن ما تعرض له المغرب خلال الآونــة الأخيرة من مؤامرات مكشوفة وحملات مسعـورة، يعكــس بما لايدع مجالا للشك، أنـه تحول إلى قـوة إقليمية مؤثـرة، باتت تشكل مصدر قلق وإزعاج ليس فقط بالنسبة لأعــداء الوطن الخالدين، بل وحتى بالنسبة لبعض الشركاء الأوربيين الذين يتوجسون من الدور المتنامي للمغرب في محيطه المغاربي والإفريقي، ويتخوفـون من مصالحهم الاقتصادية وامتيازاتهم وأسواقهم التقليدية بالمنطقة المغاربية خاصة وبإفريقيا عامة، وهذا يقوي الرغبة لدى البعــض في الرهان على كل السبل المتاحة لعرقلة المسار التنموي للمغرب، وهو ما أشار إليــه الملك بالقول “هناك تقارير تجاوزت كل الحدود. فبدل أن تدعو إلى دعم جهود المغرب ، في توازن بين دول المنطقة، قدمت توصيات بعرقلة مسيرته التنموية، بدعوى أنها تخلق اختلالا بين البلدان المغاربية”، ولم تتوقف عجلة التشويش والابـتزاز عند هذا الحد، بل تجاوزته إلى مستوى تدبيـر “حملة واسعة، لتشويش صورة مؤسستنا الأمنية، ومحاولة التأثير على قوتها وفعاليتها، في الحفاظ على أمن واستقرار المغرب” .

وهذه الممارسات العدوانية وغيرها، والتي تصب في اتجاه ضرب أمن واستقرار المغرب وكبح جماح طموحه التنموي، تقتضي أكثر من أي وقت مضى، الرهان على جبهة داخلية موحدة ومتجانسة متشبعة بقيم المواطنة الحقة، في ظل مؤسسات وطنية قوية ذات مصداقية، تتحمل مسؤولية الانخراط في البناء التنموي وخدمة المواطن والاستجابة لحاجياته وتطلعاته، وفي ذات الآن الدفاع عن القضايا والمصالح العليا للوطـن، وقوة هذه المؤسسات لابد أن تـمـر عبر انتخابات حـرة ونزيهة ذات مصداقيـة، تفـرز نخبا جديدة تتوفـر فيها شروط الخبرة والكفـاءة والاستقامة والنزاهـة ونكرات الذات والمواطنة الحقة، لتكـون قادرة على تنزيل مختلف الأوراش التنموية المرتقب إطــلاق عنانها في إطـار النموذج التنموي الجديد، بما يساهم في الرفع من مستوى التنمية بمختلف مستوياتها، وفي ذات الآن، الإسهــام في الدفاع عن قضايا الوطـن، والتصدي لكل ما يواجهـه من حمـلات ومؤامـرات ودسائس من قبل أعداء وخصوم الوحدة الترابية.

وفي هذا السياق الانتخابي، لايمكن إلا أن نوجـه البوصلة نحو الأحزاب السياسية بيمينها ووسطها ويسارها، في أن تستحضر المصلحة العليا للوطن، وتقدر حجم ما يتهــدده من تهديدات ومخاطر، وما ينتظـره من رهانات تنمويـة كبرى، وهذا يفرض عليها وضـع ثقتهــا في الكفاءات المشهود لها بالخبـرة والمسؤولية والاستقامة، والقـادرة على إحداث التغييـر المنشود، بعيدا عن هواجس الربح والخسـارة والمصالح الحزبية والانتخابيـة الضيقة، وذات المسؤولية يتحملها “المواطن”/”الناخب” الذي يمتلك “سلطة الاختيار” ومـن خلالها “سلطة التغيير”، وإذا كانت مسؤولية الأحزاب السياسية والمواطنين واضحة وضوح الشمــس، فلا يمكن تخليق الحياة السياسية بكل مستوياتها، إلا إذا حضرت إرادة حقيقية في محاربة كل ممارسات الفساد والعبث السياسي والانتخابي ونهب المـال العام، وفي “ربط المسؤولية بالمحاسبة ” وتفعيل آليـات “عدم الإفـلات من العقاب”، في إطار دولة الحق والقانون والمـؤسسات والمساواة والعدالة الاجتماعيـة.

في خاتمة المقال، لايمكن إلا الفخر والاعتزاز، بمـا حققه ويحققه المغـرب من مكاسب اقتصادية وتنمويـة، ومن نجاحات دبلوماسية وإشعاع دولي، ومـن شراكات اقتصادية واستراتيجيـة متعددة الأقطاب، ومـا بات يحظـى به من تقديـر واحتـرام دولي، بشكـل برزت معـه معالـم قـوة مغربيـة مؤثـرة، بـــات ينــظـر إليها نظــرة توجـس وقلـق وحسـد وعــداء، وهذه القـوة المتناميـة، تقتضي المزيد من اليقظـة والحذر، وتفـرض ما يلــزم من الصـون والحمايـة، وفي هـذا المستوى من النقـاش، نشيـر إلى أن خطاب ذكـرى 20 غشت، لامـس بجرأة وتبصـر “رهانات الداخل “و “تحديات الخـارج ” في ذات الآن، وفـق خيط رفيـع جعل من “الداخل” و”الخارج” وجهان لعملة واحـدة، عاكسة لمغرب جديد تغيـر كما يريـد، ولكن، ليس كما يريـدونه، دولة ضعيفة ومستغلة وخاضعة ومنبطحة غير مالكة لسيادتها وسلطة قرارها، وعليه، فإذا كانت ملحمة ثـورة الملك والشعب، قد حققت المراد، لما عبر عنه المغاربة من مواطنة حقة وما يدور في فلكها من مسؤولية ووفـاء وتضحية ونكران للذات والتزام وتمسك بالثوابت الوطنية والدينية، فلابد أن تحضر القيم ذاتها في سلوكاتنا وممارساتنا ومشاعرنا تجاه الوطن، ونحن نناضل من أجل حقنا المشروع في الاستقلالية والوحدة والسيادة، وإدراك ما نستحقه من مكانة بين الأمم والشعوب، كدولة أمة ذات تاريخ عريق وحضارة مشرقة ضاربة في القـدم.

على أمل أن نكون أفرادا وجماعات ومؤسسات، في مستوى الرهانات الداخلية المطروحة والتحديات الخارجية القائمة، وأن نتبـارى جميعا- كل من موقعه – في خدمة الوطن والإسهام في رقيه وازدهاره وإشعاعه، في معركة الاستقلالية والوحدة والسيادة وتحقيق الـذات، في عالم لايعترف بالضعفاء والبسطاء والمترددين والعابثين والتائهين. وكما حضر الحزم في التعامل مع الخارج، لابد أن يحضر الحزم ذاتـه، في التعامل مع المفسدين والعابثين في الداخل، لما لهم من تأثير خطير على القيم وعلى اللحمة الوطنية، التي بدونها يصعب الوقوف سدا منيعا وحصنا حصينا أمام الضربات والحملات والمؤامـرات .

الاخبار العاجلة