الأعراس في مناطق “أدرار” .. عادات متجذرة تشق الطريق صوب الاندثار

6 ديسمبر 2021آخر تحديث : الإثنين 6 ديسمبر 2021 - 5:57 مساءً
أشرف كانسي
ثقافة وفنونسلايدر
الأعراس في مناطق “أدرار” .. عادات متجذرة تشق الطريق صوب الاندثار

شهدت طقوس وعادات العرس في القرى المغربية كثيرا من التغييرات والتغيرات، شملت مختلف مراحل الإعداد لهذه المناسبة وفي أثنائها وبعدها، كما شملت التغيرات ذاتها كل ما يرتبط بالعرس من لباس ومأكل وحتى فضاء العرس، فإن كانت قليل من القبائل الأمازيغية لا تزال تصارع من أجل الحفاظ على النمط التقليدي للعرس المغربي، القروي على الخصوص، فقد نالت متغيرات مختلف المظاهر الاحتفالية بالمناطق الجبلية لإقليم اشتوكة آيت باها، أي مناطق “أدرار”، التي لم تسلم من تأثير عوامل عديدة قلصت حدود الفرق بين العرس في الحواضر ومثيله في البوادي.

mariage 2 - جريدة سوس 24 الإلكترونية

وشكلت المظاهر الاحتفالية بمختلف المناسبات الاجتماعية، كالعرس والعقيقة وغيرهما، مظهرا من مظاهر الحياة في البادية المغربية؛ مظاهر مبنية على قيم التآزر والتعاون والتضامن بين الأفراد والجماعات، إلى جانب الفرجة التي تحيط بتلك الاحتفالات والتي تدوم لأيام في بعض المناطق، فتجد كل أفراد الدوار أو القبيلة ينخرطون في مساعدة أهل العروس أو أهل العريس، بغية ضمان مرور الحفل بكل طقوسه وعاداته وجزئياته وتفاصيله الدقيقة، مع ضمان أيضا استقبال ضيوف الأسرة المحتفلة، وهم أيضا ضيوف القبيلة، في أحسن الظروف.

خالد أوبلا، باحث مهتم بالشأن الثقافي الأمازيغي، قال: “كباقي مناطق المغرب، طرأ تغيير على مستوى التمظهرات الثقافية والاحتفالية لطقوس الزواج بالدائرة الجبلية لآيت باها أودرار؛ وهو تغيير رافقه نوع من التنميط والتسويق الاحتفالي، سواء على مستوى الأسرة أو المقاولات المكلفة بتنظيم الحفلات (أي الممونين) الذين يكتفون بالجانب الشكلي المادي ويبعدون ما هو رمزي وثقافي”.

mariage 3 - جريدة سوس 24 الإلكترونية

وأوضح الباحث المهتم بالشأن الثقافي الأمازيغي أنه “لم تعد حفلات الزفاف تنهل من مرجعيتها المحلية ذات الثقافة القروية، ولا من الخلفية الذهنية والعقلية للإنسان الذي يرتبط بالمجال وخيراته. ومن ثم، فقد أصبح الاحتفال والفرح لا يستغرق إلا ساعات، بعد أن كان يدوم لأكثر من ثلاثة أيام وفق مراحل مناسباتية تخصص للمراحل الثلاث للاحتفال: قبل وأثناء وبعد”.

العرس التقليدي بمناطق أدرار في آيت باها تتخلله عادات وتقاليد تميزت الأعراس التقليدية بهذا المجال الجغرافي، على الرغم من تباين طفيف في بعض العادات والطقوس التي تختص بها كل قبيلة من قبائله. وأول طقس بحسب خالد أوبلا عادة “أسيگل”، وهي أولى المراحل التي تسبق حفل الزواج، وتعني ‘الخطبة’، ثم “ئيمراگن وئيزيض” و”أرّاگ” و”أفْرَانْ”، وتأتي مرحلة الحناء “تابريمت” حيث يتم خضب يدي ورجلي العروس وفق طقوس وترتيبات غاية في الدقة ومصاحبة لأشعار طقوسية واحتفالية ترددها النساء بدون رقص أو آلات إيقاعية. وأثناء هذه العمليات الاحتفالية النسائية المقامة داخل البيت، يقوم رجال القرية وشبابها في فناء المنزل أو خارجه بإحياء حفل أجماك الفني في انتظار موكب “ؤكريس” الذي سيأتي في أي وقت وحين.

وعلق خالد أوبلا قائلا: “هي مجموعة من الطقوس والعادات والتفاصيل الدقيقة والكثيرة، لا يتسع المجال للخوض فيها، ترافق الاستعدادات للعرس وتستمر حتى دخول العروس إلى بيت زوجها وبعده بأيام؛ ومنها قيام العروس بزيارة أهلها في اليوم الموالي رفقة زوجها وأهله، زيارة تتحول إلى حفل فني كبير بالتحاق الجيران والأقارب الذين لم يغادروا بعد تجاه ذويهم، ليستمر الصخب الاحتفالي إلى أن تعود الزوجة إلى بيتها الجديد مصحوبة ببقية متاعها الذي تركته بالأمس، وفي بيت زوجها يستمر الاحتفاء بالعروس التي ستعمل، رفقة مساعدات، باستكشاف المكان والتعرف على الأهل والجيران، وتوضيب غرفتها وفق منظورها، ثم بعد انتهاء سبعة أيام “إيملاس” تنظم زيارة أخرى لبيت أهل الزوجة ترافقها طقوس أخرى”.

ووفقا للأستاذ أوبلا، فإن “التمظهرات الاحتفالية الخاصة بمراسيم الزواج بمنطقة أيت باها أودرار تحمل بلا شك المنظور الشعبي لحياة الساكنة وتتحكم فيه عوامل ذاتية وجغرافية وثقافية تشكل تعددا على مستوى الأشكال الاحتفالية والأسماء الموظفة من منطقة إلى أخرى؛ لكنها تتميز بوحدة العمق الثقافي والأنتروبولوجي بمجموع مناطق شمال إفريقيا من حيث الرموز والإيحاءات المرتبطة بمراسيم احتفال الزواج، مراسيم تغير الكثير منها وترك بعضها الآخر، بفعل عوامل عديدة تحكمها اعتبارات وسياقات أخرى فرضت نفسها بقوة نتيجة مجموعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية التي غيرت ملامح الشخصية الثقافية والاجتماعية للإنسان المغربي بصفة عامة”.

وفي الوقت الحاضر، أصبحت الأعراس تتشابه إلى حد التنميط، وأصبحت مساهمة الفرد، رجلا كان أو امرأة، تقتصر في الحضور داخل قاعات الحفلات وانتظار العروض الغنائية المقدمة وتشكيلات اللباس التي تظهر بها العروس رفقة عريسها مع ما يصاحب ذلك من أنماط موسيقية تقوم بها فرق فنية بمقابل مادي. أما “نگافات”، فيقتصر دورهن في تزيين العروس ومراسيم الحناء ومرافقتها مرددات لأهازيج هجينة بعيدة عن العمق الثقافي المغربي. والواضح أيضا أن الاحتفالات لم تعد تعتمد على مفهوم الجماعة التي تربطها قيم التضامن والتعاون، فأصبح كل فعل يقابله ثمن مادي، حيث سيطر منطق السوق في الاحتفالات، وتخلت النسوة عن المشاركة الطوعية في ترتيبات الاحتفال نتيجة تغير السياق وانشغالاتهن المتعددة التي حرمتهن من اكتساب الموروث الثقافي الذي يفضي إلى الإبداع.

رشيد بيجيكن

الاخبار العاجلة