الأساتذة المفروض عليهم “التجميد”

27 أكتوبر 2022آخر تحديث : الخميس 27 أكتوبر 2022 - 10:32 صباحًا
admintest
كتاب وآراء
الأساتذة المفروض عليهم “التجميد”

– بقلم : عزيز لعويسي

جائحة كورونا التي اجتاحت المغرب قبل أكثر من سنتين، فرضت على رئاسة الحكومة السابقة، إصدار منشور بتاريخ 25 مارس 2020، قضى بتأجيل الترقيات وإلغاء مباريات التوظيف، بمبرر تعبئة كل الموارد المتاحة، لمواجهة الانعكاسات السلبية لانتشار جائحة وباء فيروس كورونا، وهذا المنشور كانت له تداعيات مباشرة على الأوضاع المادية والاجتماعية للموظفين، وبشكل خاص على الشغيلة التعليمية بالنظر إلى ثقلها العددي، فجمد الترقيات بكل مستوياتها، بدءا بالترقيات بالاختيار والتسقيف، مرورا بالترقيات ذات الصلة بالامتحانات المهنية “دورة 2020 و2021″، وانتهاء بالترقيات بالرتب.

وعلى الرغم من إيقاف العمل بالمنشور المذكور، بعد تجاوز الأزمة الوبائية والعودة إلى الحياة الطبيعية، ظل “فيتو التجميد” مرفوعا في وجه نساء ورجال التعليم دون غيرهم من الموظفين، مما خلف حالة من التذمر والسخط والغضب في أوساط الشغيلة التعليمية، فجرت بؤرة جديدة من بؤر الاحتقان داخل المدرسة العمومية، بإعلان شرائح واسعة من الأساتذة المتضررين من التجميد، عن تأسيس “التنسيقية الوطنية للأساتذة ضحايا تجميد الترقيات”، التي راهنت على لغة التنديد والتصعيد، وخاضت منذ تأسيسها، أشكالا نضالية متعددة المستويات، في سبيل إسماع الصوت والدفع في اتجاه تسريع تسوية المستحقات المالية، في وقت راهنت فيه الوزارة الوصية والحكومة “الاجتماعية” على خطاب التسويف والمراوغة والوعود المعسولة، والنتيجة انضمام ضحايا جدد إلى طابور الانتظار وتراكم المزيد من المستحقات المالية.

أزمة تجميد الترقيات في القطاع التعليمي، وسعت مساحات اليأس والإحباط والغبن والتذمر في أوساط الشغيلة التعليمية، وأطلقت العنان لبروز تنسيقية جديدة، انضمت إلى ساحات النضال إلى جانب باقي التنسيقيات التي تناسلت في السنوات الأخيرة، في ظل غياب إرادة الإصلاح والتجويد، من جانب صناع القرار السياسي والتعليمي، وهذه الأزمة كان يفترض تفاديها أو على الأقل التعجيل بتسويتها، استحضارا للدينامية الإصلاحية التي تعيشها المنظومة التربوية، واعتبارا للحوار الاجتماعي القطاعي الجاري بشأن النظام الأساسي المرتقب لموظفي وزارة التربية الوطنية، وتقديرا لما تعيشه الشغيلة التعليمية من احتقان طال أمده، أرخى بكل ثقله وتأثيره على واقع حال المدرسة العمومية، لكن للأسف، غابت شمس التسويات منذ ما يزيد عن السنتين، مخلفة وراءها أجواء من الترقب والتذمر والانتظار في أوساط الضحايا، الذين لم يتبق أمامهم من خيار، سواء الرهان على النضال والمزيد من النضال، أملا في الظفر بحقوق مشروعة طال انتظارها، في ظل وضعية اجتماعية صعبة.

الوزير الوصي على قطاع التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، أدلى بتصريحات مطمئنة، في سياق الكلمة التي وجهها لنساء ورجال التعليم، بمناسبة اليوم العالمي للمدرس الذي صادف الخامس من شهر أكتوبر الماضي، أفاد من خلالها أنه “من المقرر أن يتم قبل حلول نهاية 2022، تسوية متأخرات الترقية لسنة 2020، وذلك بغلاف مالي بقيمة 2 مليار درهم”، وفي ذات السياق، تضمن مشروع قانون المالية لسنة 2023، إجراءات ذات صلة بالحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين والسلم الاجتماعي، منها “تسوية ترقيات الموظفين” التي رصد لها مبلغ مالي قدره 8 ملايير درهم، بما فيها 2 ملايير إضافية لموظفي قطاع التربية الوطنية، ونأمل أن تكون وعود السيد الوزير وما حمله مشروع قانون المالية للسنة القادمة من إجراءات، فرصة لتسوية مستحقات نساء ورجال التعليم من ضحايا التجميد، لخلق جو من الثقة بين الوزارة الوصية على القطاع والشغيلة التعليمية، يخفف من وطأة الاحتقان التعليمي الذي بات عنوانا بارزا لمدرسة عمومية لازالت بعيدة عن الرياح المرسلة للإصلاح.

إذا كانت الوزارة الوصية ومن ورائها الحكومة الاجتماعية، حريصة على إصلاح البيت التعليمي وبلوغ نهضة تربوية حقيقية تواكب المشاريع التي بشر بها النموذج التنموي الجديد، فلايمكن قطعا، رفع يافطة الإصلاح في ظل شغيلة تعليمية تتقاسم موائد النضال والاحتقان، بعضها يقف في طابور الانتظار، أملا في الحصول على مستحقاته المالية المجمدة أكثر من سنتين، وبعضها الثاني يطالب بتخليصه من الزنزانة 10، وبعضها الثالث يرفع شعار “خارج السلم”، والبعض الرابع “يجري وراء سراب الإدماج”، والبعض الخامس يتطلع إلى الترقية بالشهادة، وقائمة المطالب طويلة، وبين كل هذا وذاك، تتقاسم الشغيلة التعليمية بكل فئاتها المتضررة، مطلب النهوض بالأوضاع المادية والمهنية والاجتماعية، عبر الرفع من الأجــور وإرساء منظومة عادلة ومنصفة للتحفيز، تراعي حجم المسؤوليات التي باتت تضطلع بها “هيئة التدريس”، بدءا بحراسة الامتحانات الإشهادية ومباريات التوظيف، مرورا بالتصحيح ومسك النقط عبر منظومة مسار، وانتهاء بمهمة المواكبة وأنشطة الحياة المدرسية.

في خاتمة المقال، وبقدر ما نطالب بتخليص الأساتذة ضحايا تجميد تسويات الترقيات من مخاض الترقب والقلق والانتظار في أسرع الأوقات الممكنة، بقدر ما نراهن على الحوار الاجتماعي القطاعي بين وزارة التربية الوطنية والنقابات الأكثر تمثيلية، بشأن النظام الأساسي المنتظر، الذي تراهن عليه الشغيلة التعليمية بكل فئاتها ومستوياتها، للنهوض بأوضاعها المادية والاجتماعية والمهنية والتحفيزية، في إطار “نظام أساسي جديد” عادل وموحد ومنصف ومحفز، يؤسس لمنطومة تعليمية عصرية تحقق ما نتطلع إليه جميعا، من نهضة تربوية ومن إقلاع تنموي شامل، يرتقي بالبلد إلى مصاف البلدان المتقدمة.

ومرة أخرى، لا يمكن إلا توجيه البوصلة كاملة نحو الوزارة الوصية على القطاع التعليمي ومن خلالها الحكومة برمتها، التي لابد لها أن تتحمل مسؤولياتها السياسية كاملة في التعامل مع الملفات المطلبية للشغيلة التعليمية، بما تقتضيه المرحلة، من جدية واحترام وتقدير واعتبار، بعيدا عن هواجس الربح والخسارة، وبمعزل عن لغة التوازنات المالية التي لم تعد تجدي ولا تنفع، من منطلق أن التعليم هو مفتاح أي مشروع نهضوي تعليمي، وطريقا لا محيد عنها، لكسب معارك التنمية الشاملة، وأي تبخيس له أو تقليل من شأنه، لن تكون فاتورته إلا أثقل، وضريبته إلا أقسى على البـلاد والعباد، على أمل، أن يكون اللقاء المرتقب غضون يوم الجمعة 28 أكتوبر الجاري، بين الوزير الوصي على القطاع، شكيب بنموسى، والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، موعدا لتذويب جليد الخلاف، والدفع في اتجاه التوقيع على اتفـاق مشترك، من شأنه رفع منسوب الثقة، في بلـوغ نظام أساسي ينصف الشغيلة التعليمية بعد سنوات عجاف من الجفاف، وإدراك مدارس عمومية ذات جودة للجميع، ونختم بتوجيه رسالة مباشرة إلى الشغيلة التعليمية والنقابات التعليمية الممثلة لها، من أجل التعبئـة الجماعية وتوحيد الصفوف، لكسب معركة “نظام أساسي جديد” على “مقاس” أسرة التعليم، لا على “مقاس” حكومة تنظر إلى بيت التعليم، بمنظار الهواجس المالية ومنطق الربح والخسارة …

الاخبار العاجلة