اصلاح القضاء بين الزيادة والعـدل

20 يناير 2014آخر تحديث : الإثنين 24 مايو 2021 - 3:30 مساءً
admintest
كتاب وآراء
اصلاح القضاء بين الزيادة والعـدل

“القضاء” كلمة لها عدة معاني لغوية واصطلاحية. وما يهمنا منها اليوم هو “الحكم”.
والعدل ضد الجور، وهو ما قام في النفوس أنه مستقيم وهوأيضا وضع الأمور في مواضعها واعطاء لكل ذي حق حقه. ويكفي العدل فخرا أنه اسم من أسماء الله الحسنى.
والقضاء الذي نقصده في مقالنا هذا هو الجهاز التابع للدولة والذي توكل اليه مهام جليلة وعظيمة تصب كلها في خانة اعطاء الحقوق الى أصحابها ومعاقبة الطغاة والظالمين والمخطئين ليسود المجتمع السلم والأمن والرقي .
وقد كان القضاء ومازال من أهمِ الوظائف وأخطرها على الاطلاق ، وقد بوأه الاسلام أعلى المراتب ، لذلك حرص الخلفاء على تولية القضاء من اتصف بالعلم والصلاح والأمانة .
ولمعرفتهم بخطورة مهمة القضاء فقد امتنع عدد من الفقهاء والعلماء الأجلاء تولي هذه الوظيفة السامية خوفا من الظلم . وكان بعض القضاة يمتنعون عن أخذ مرتَّب عن عملهم في القضاء، ويرون في ذلك منقصة لهم ولوظيفتهم، ومن هؤلاء ابن سماك الهمذاني، أحد قضاة الأندلس الزهد.
واذا عدنا بالتاريخ الى الوراء لوجدنا ذاكرته مزدانة بالقضاة المقسطين ولوجدناه مزهوا بروائع الأحكام والأحداث المتعلقة بالقضاء الاسلامي والذي حقق المساواة والعدل بين خاصة الناس وعامتهم امتثالا لقوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْل ) النساء: 58.
واذا ما عدنا الى تاريخ انطلاق مسلسل “اصلاح القضاء” بالمغرب والذي دشنه المرحوم الطيب الناصري واستأنفه مصطفى الرميد منذ ما يزيد على سنتين سنجد أنه لم يتحقق أي شيء يذكر في حلقات هذا المسلسل الى حدود نهاية سنة 2013 ، اللهم اشتعال نار الاحتجاجات و الاضرابات و التصريحات بين جميع مكونات القطاع وبين الوزارة ،بدأ بكتاب الضبط ومرورا بنادي القضاة وانتهاء بهيئات و جمعيات المحامين .
وفي الاسبوع المنصرم كشف نادي القضاة عن وثيقة موقعة من قبل الوزير ، تعهد فيها أمام النادي بتحقيق اصلاح القضاء ، حيث جاء في الوثيقة ما يلي : ( أنا الموقع أسفله وزير العدل مصطفى الرميد : أشهد أنه في حالة عدم تحسين الوضعية المادية للسادة القضاة داخل سنتين من تشكيل الحكومة فإني سأعتبر نفسي قد فشلت في اهم بنود الإصلاح وبالتالي يتعين علي تقديم استقالتي والله على ما أقول أشهد.)
ويبدو أن الكشف عن هذه الوثيقة كان بمثابة الضربة القاضية للوزير وللحكومة ،حيث سارعت الحكومة ، لتجنب غضب القضاة الذي كان سيترجم الى مجموعة من الأشكال النضالية والتي أعلن القضاة تدشينها عبر خوض اضراب وطني يوم 8 فبراير 2014 ، سارعت الى الافراج عن الزيادة في أجور القضاة ،حيث خصصت مبلغ 3000 درهم كزيادة للقضاة من الدرجة الأولى و 4000 درهم للقضاة من الدرجة الثانية و5000 درهم للقضاة من الدرجة الثالثة،الا أن هاته الزيادة سيتم تنزيلها عبر سنتين ماليتين .
هذا القرار الحكومي المتأخر يدفعنا مرغمين لطرح ثلاثة أسئلة كبرى ومهمة :
السؤال الأول : هل هذه الزيادة الضعيفة والمقسطة في أجور القضاة كافية لاصلاح وضعيتهم المادية بالشكل الذي يليق بطبيعة مهامهم وبالشكل الذي يدفع عن بعضهم كل أشكال المساومات والاغراءات التي تقصم ظهر العدالة رغم أن الزيادات الأخيرة في رواتب قضاة المملكة تعد من أكبر الزيادات التي عرفتها أجور القضاة منذ عشرات السنين. ؟
والسؤال الثاني : هل يمكن تلخيص اصلاح منظومة القضاء في الزيادة في أجور القضاة فقط ؟
الجواب على السؤالين الأول والثاني من طرف القضاة أنفسهم ومن طرف المتقاضين سيكون حتما بلا .
أولا ،لأن مسألة تحسين الوضعية المادية للقضاة وموظفي العدل يجب أن تكون خارج كل الحسابات المادية في سبيل تحقيق العدل . وثانيا ، لأن اصلاح منظومة القضاء يقتضي اصلاح الجهاز برمته وتنقية محيطه من الوسطاء والمحتالين وشهود الزور ، ويقتضي كذلك تشديد المراقبة والمحاسبة مع تسريع وتيرة انجاز وانهاء المساطير القضائية وتنفيذ الأحكام .
أما السؤال الثالث و الأهم هو هل هذه الزيادات ، التي قد لا تغني وانما قد تحفظ كرامة القاضي النزيه ، والتي ستضاف الى مرتبات 4000 قاض على حساب الميزانية العامة للمواطنين وفي ظروف الأزمة الاقتصادية ، هل ستدفع بعض القضاة المدمنين على تلقي المكالمات الهاتفية والأظرفة السمينة الى القطع مع تلك السلوكات المضرة بمنظومة العدالة ؟
وبغض النظر عن حجم الزيادة تلك ، فالقضاء شرف كبير ومسؤلية أكبر قبل أن يكون رأسمال وبقرة حلوب .
وعلى السادة القضاة أن يعلموا ما قالَه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فيهم:( الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ : اثْنَانِ فِي النَّارِ ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ ، رَجُلٌ عَلِمَ عِلْمًا ، فَقَضَى بِعِلْمِهِ ، فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ ، وَرَجُلٌ قَضَى بِجَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ ، وَرَجُلٌ قَضَى بِغَيْرِ مَا يَعْلَمُ ، فَهُوَ فِي النَّار) .
والله يقضي بالحق .

بقلم: عبد العزيز بوسهماين

الاخبار العاجلة