اشكالية التعريب وازمة التعدد اللغوي في نظامنا التعليمي

6 أبريل 2022آخر تحديث : الأربعاء 6 أبريل 2022 - 11:36 صباحًا
admintest
كتاب وآراء
اشكالية التعريب وازمة التعدد اللغوي في نظامنا التعليمي

ذ:محمد بادرة

بعد حصول المغرب على استقلاله، اعتبر مبدا التعريب ركنا اساسيا في بناء المدرسة الوطنية إلى جانب التوحيد والتعميم والمغربة، وهي مبادئ منسجمة مع متطلبات تلك المرحلة التي كانت تتوخى بناء الدولة الوطنية عبر تعزيز استعمال اللغة العربية (التعزيز الكمي) بغاية توحيد التعليم العمومي و تجاوز الوضعية التي تركها المستعمر الفرنسي، وكانت تجربة التعليم الحر بالمغرب حاضرة و قوية بفضل احتضانها ورعايتها من قبل الحركة الوطنية، لذا أصبح التعليم المسمى “حرا” أو “معربا” تعليما عموميا، فتهاوت المدارس الحكومية الفرنسية لتحل محلها تدريجيا مدارس مغربية حديثة تتلقى فيها ناشئتنا تعليمهم باللغتين العربية و الفرنسية (الفرنسية بقيت لغة تدريس المواد العلمية)، ثم ازدادت سرعة التعريب مع خلق منافذ لإنقاذ المعربين (معلمين ومتعلمين) موازاة مع الشروع في إعادة تنظيم التعليم الأصيل، ولقد ارتبط هذا المسار” التعريبي” بمبدأ تعميم “المغربة” أكثر من ارتباطه بالتوحيد والتعريب.
وفي سنة 1970أصبحت “المغربة” في صدارة الترتيب، يليها التعريب ثم التعميم ثم التوحيد، وربما كان ذلك من أسباب تعثر مبدأ تطبيق مخطط التعريب وعدم وضوح أسس و غايات اعتماده مبدأ وطنيا بفعل تطور العلاقات الدولية والصراع الإقليمي وموقع المغرب ضمن هذا الصراع الدولي، وكذا التطور والاكتساح التكنولوجي و ما يتطلب ذلك من انفتاح على حضارات و ثقافات و لغات عالمية .
بعد مرور أكثر من ستة عقود على التطبيق الجزئي والعشوائي لهذه المبادئ الوطنية الاربعة ما يزال هناك استمرار في عدم وضوح موقف السياسة الحكومية من المسالة اللغوية وخاصة قضية ” التعريب”. فلا الميثاق ولا الرؤية الاستراتيجية للإصلاح ولا قانون الاطار اكدوا بشكل واضح ودقيق على “مسالة التعريب” ولا حسموا في عدد من الاشكالات المتعلقة بالسياسة اللغوية بشكل عام، والحسم في مناهج واساليب تدريس اللغات الاجنبية وكيفية الاستفادة منها في تعليم العلوم والتقنيات وجعلها جسر عبور الى ثقافة العلم والتكنولوجيا، وبالتالي الى ثقافة الحداثة والعولمة والانفتاح الحضاري..
ان مسالة (التعريب) التي شرع المغرب فيها منذ 1978 خلقت وضعا لغويا ملتبسا ومتداخلا بين المجال المعرفي للمادة الدراسية وبين البعد الثقافي للغة التدريس، مما جعل كثيرا من الساسة والمهتمين بالشأن التربوي يعيدون باستمرار طرح السؤال الازلي عن المبادئ الكبرى للحركة الوطنية – وخصوصا مبدأ التعريب – وهي المبادئ التي شكلت أساس النضال من اجل بناء مدرسة عمومية مغربية الهوية.
ان المسالة اللغوية في نظامنا التربوي والتعليمي تقتضي النظر الى اللغة واي لغة في ابعادها وامتداداتها الذهنية والنفسية والاجتماعية والثقافية عوض افقادها كل خصوصياتها باختزالها الى بنية او بنيات مجردة على الطريقة البنيوية.
فكيف تم الحديث عن المسالة اللغوية في الوثائق الاصلاحية من الميثاق الى قانون الاطار؟
دعا الميثاق الوطني للتربية و التكوين إلى توسيع فضاء اللغات داخل النظام المدرسي وذلك بإقرار اللغة الفرنسية منذ السنة الثانية من التعليم الابتدائي وإدخال لغة أجنبية ثانية في التعليمين الابتدائي و الإعدادي وإقرار اللغة الامازيغية كلغة وطنية يجب تدريسها للتلاميذ في المدارس الوطنية في التعليم الابتدائي اعتقادا في أن توسيع هذا العرض اللغوي سيموضعنا ضمن نسق لغوي لساني متعدد.
واعتبارا للأهمية الخاصة للغات في تحسين جودة التعلمات وفي النجاح المدرسي وفي النهوض بالبحث التربوي والعلمي دعت الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030 الى تنويع لغات التدريس لاسيما باعتماد التناوب اللغوي لتقوية التمكن من الكفايات اللغوية لدى المتعلمين، وتوفير سبل الانسجام في لغات التدريس بين اسلاك التعليم والتكوين.
وبناء على ما سبق ركز قانون الاطار رقم 51.17 على هندسة لغوية تعتمد في المناهج والبرامج والتكوينات المختلفة على مبادئ تعطي الاولوية للدور الوظيفي للغات المعتمدة في المدرسة الهادف الى ترسيخ الهوية الوطنية واكتساب المعارف والكفايات وتحقيق الانفتاح على المحيط المحلي والكوني وضمان الاندماج الاقتصادي واجتماعي والثقافي.. وكل ذلك عبر ارساء تعددية لغوية بكيفية تدريجية ومتوازنة مع اعمال مبدا التناوب اللغوي في تدريس بعض المواد ولا سيما العلمية والتقنية.
لكن رغم اهمية هذه التوصيات والمرتكزات الخاصة بإرساء تعددية لغوية والاعمال التدريجي للتناوب اللغوي كألية لتعزيز التمكن من اللغات عن طريق التدريس بها، الا ان الوضع اللغوي في مؤسساتنا التعليمية لا يزال يعاني من اختلالات مزمنة، وضعا معقدا خلق انعكاسات متعددة على أنماط الكفايات اللغوية الواجب تطويرها و إنماؤها لدى المتعلم، وكذا على المقاربات البيداغوجية و الديداكتيكية والثقافية اللازم توظيفها لتعليم وتعلم كل واحدة من هذه اللغات الوطنية والاجنبية، إضافة إلى ضعف حلقات التكوين المستمر للمدرسين و المؤطرين.
اليوم كما بالأمس يعود من جديد نقاش السياسة اللغوية المتبعة في مختلف مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي خصوصا بعد مصادقة البرلمان على القانون الإطاررقم51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، والذي تم الاشارة فيه الى إقرار التعدد اللغوي أو بالأحرى التناوب اللغوي كخيار تربوي يستثمر في التعليم المزدوج أو المتعدد اللغات لكن جزءا من هذا النقاش المتطور والحاد كان حول التعريب والتعدد، اكتسى بعضه طابعا اشكاليا ومنهجيا، وغلف بعضه الاخر بغلاف العاطفة “القومية”، فعادت اصوات تدعو للتعريب اللغوي دون التعريب السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي، ودعت أصوات أخرى إلى إزاحة التعريب من الفصول الدراسية باسم الحداثة والتقدم ومسايرة العصر.
الكثير من المدافعين عن التعريب لا يتجاوز فهمهم لهذه المسالة ( تعميم ذلك اللسان والمنطق المتضمن فيه) كما اشار لذلك الاستاذ عبد الله العروي معتقدا (أن هذا الاتجاه خاطئ منهجيا وخطير على المجتمع إذ محكوم عليه أن يحارب كل تجديد ثقافي وانه مبني على واقع يظهر أول وهلة وجيها إلا انه يخطئ فهم وتقويم ذلك الواقع.)عبد الله العروي– ثقافتنا في ضوء التاريخ – ص221
والتعدد يراه خصوم التعريب باعثا على التسامح والمساواة بين الثقافات والشعوب وأداة لتنمية قدرات المتعلم على التواصل.
ولفهم جانب من مسالة التعريب وخلفياته، يمكننا الاستئناس برؤى ومواقف العالم اللغوي والباحث أللسني الرصين الاستاذ عبد القادر الفاسي الفهري و قراءات المفكر والمؤرخ السياسي المغربي الاستاذ عبد الله العروي.
1-هل المجتمع يمكن له أن يكتفي بلغة واحدة ؟
رأى الأستاذ عبد الله العروي انه لا يوجد مجتمع يمكن أن يكتفي باستعمال لغة واحدة حيث هناك مستويات لغوية متفاوتة في كل مجتمع، ميز منها أربعة ورتبها من الأقل إلى الأكثر تجريدا وهي اللهجات – واللسان المكتوب- واللغات الاصطلاحية والمنظومات الرمزية للعلوم النظرية.
وكل مجتمع يعرف هذه المستويات اللغوية الأربعة ولكن المستوى الثاني هو المتميز عنها(اللسان المقوعد) لأنه يقوم بدور الوساطة غير انه يتميز بالجمود وعدم التطور لأنه مقوعد، أما اللهجات واللغات الاصطلاحية والمنظومات الرمزية فتروج في وسط ضيق.
وجود هذا التعدد اللغوي واللهجي الذي تعرفه المجتمعات هو الذي دفع الأستاذ عبد القادر الفاسي الفهري للدعوة إلى سن سياسة لغوية متزنة ومتوازنة تنظر إلى مختلف مكونات الوضع اللغوي بالمغرب، وهي أن لا تهيمن اللغة الأجنبية على السوق اللغوية الوطنية فتضيع اللغة العربية واللغات واللهجات المحلية، ولا هيمنة اللغة العربية وحدها فتضيع اللغات الأجنبية التي هي أداة الانفتاح.
التعدد اللغوي محمود من حيث المبدأ لأنه كما يراه الأستاذ الفاسي الفهري رأس مال رمزي يمكن توظيفه في الاتصال بالثقافات والشعوب الأخرى، وان كان أن هذا الأمر قد يؤدي إلى إشكالات ومتاعب وصعوبات على مستوى المجتمع وسياساته الاجتماعية والثقافية والتربوية .
ان السياسة اللغوية المتزنة في نظر هذا الفقيه اللغوي تقوم على مبدأ التعدد والتنوع اللهجي من جهة وعلى مبدأ التعدد اللغوي من جهة ثانية، والتعدد اللغوي هو الذي يتيح الانفتاح على العالم ويتيح الوصول إلى المرجعيات والمعلومات التي نحتاج إليها والتي لا تمكننا اللغة العربية وحدها من ربط الصلة بها.
2- هل الازدواج اللغوي قائم في منظومتنا التعليمية ؟
يرى الأستاذ الفاسي الفهري انه لا توجد ازدواجية لغوية في المغرب خلافا لما يعتقد الكثيرين من المتتبعين للشأن اللغوي، فالازدواج اللغوي الرسمي قائم في كندا وبلجيكا أو سويسرا لأنه يتيح للمواطنين في هذه الأقطار أن يستعملوا لغتين على قدم المساواة للتوظيف في قطاع التعليم والإدارة والاقتصاد والحياة اليومية فتكون الازدواجية(فرنسية-انجليزية)-(فلامانية –فرنسية)- (فرنسية – ألمانية) ناتجة عن تكافؤ في وظيفية اللغتين وقدرتهما على التعبير في مختلف المجالات.
أما في المغرب فان الازدواج اللغوي غير وارد لان اللغة العربية لم تتح لها فرصة القيام بالأدوار الكبرى التي وكلت وتوكل للغة الفرنسية في الإدارة والاقتصاد والمجالات العلمية الدقيقة، ونحن كما يعتقد الأستاذ الفاسي الفهري بإزاء تشقيق لسني لا ازدواج لغوي فعلي أو ثنائية لغوية كما هو الشأن في كندا مثلا ولا ازدواج لهجي طبيعي كما نجد في ملا سنة العربية والعامية .
كل ما هناك هو وجود لسان ينخره التشقيق لأنه موزع بين عبارة لغوية فرنسية (في المجالات المرموقة) وعبارة عربية (فصيحة أو عامية) في الدين والخطب الرسمية والحياة اليومية ولكن اللغة الفرنسية في هذا الوضع مهيمنة مما ينتج عنه التشقق والتشتت.
3- التعريب رد فعل سياسي لا مشروع ثقافي !!!
اعتبر الأستاذ عبد الله العروي أن مسالة التعريب لها وجهين :
أ- الاول كون اللسان الأجنبي حل محل اللسان الأصلي في دور الوسيط بين اللغات الاصطلاحية التي تستعملها الفئات المختلفة في المجتمع.
ب- الثاني كون هذا اللسان الأصلي الذي ضبطت قواعد توليد مفرداته وتراكيبها منقطعة عن اللغات التي تكون بدورها قد توقفت عن النمو بسبب جمود المجتمع .
لذا فالدعوة إلى التعريب في هذا المجال له مغزى سياسي واضح (إنها دعوة إلى الوحدة الوطنية ومحاولة لإيقاف تيار خطير يحول التقسيم الاجتماعي إلى تقسيم لغوي وثقافي… ويتحول إلى تناقض بين النخبة ذات النفوذ الاقتصادي وباقي الطبقات المحكومة والمحرومة ) .المرجع السابق- ص 214
الى جانب هذا التفسير التاريخي والسياسي، فان الوضع اللغوي للسان العربي الأصلي المقوعد عرف اختلالا وجمودا بفعل انقطاعه عن سيرورة التطور التاريخي والثقافي والحضاري، وهو نفسه الوضع الذي عانت منه حتى بعض اللغات العالمية كالفرنسية، حيث أن(علوما بكاملها تدرس في معاهد حرة باللسان الانجليزي،) ونقرا الآن (في صحفهم مقالات تشبه كثيرا ما نكتبه نحن عن التعريب ) ص 215.
4- هل التمسك بمبدأ التعريب شرط للحفاظ على الهوية ؟
يرى الأستاذ عبد القادر الفاسي الفهري في مقال نشر بإحدى الجرائد الوطنية في سنة 1995 انه إذا كان من حق المواطن المغربي أن يتعلم الفيزياء والكيمياء والعلوم الطبيعية والرياضيات والاقتصاد باللغة الفرنسية فان من باب أولى وأحرى أن يكون من حقه تعلم هذه العلوم والصناعات باللغة العربية.
كما ان على الدولة أن توفر له ذلك، لان العربية لغة الدستور والوطن ولا يعقل أن تدرس العلوم والصناعات بلغة أجنبية فقط دون اللغة الوطنية، فتعريب لسان المتعلم في مجالات العلوم والاقتصاد شيء ضروري لجعل اللغة العربية لغة تامة ولتلافي هيمنة اللغة الأجنبية وشعور متكلميها بالتفوق وإحداث خلل وتشقيق في لسن المتكلم المغربي بحيث يلجا إلى استعمال اللغة الفرنسية كلما أراد التعبير في مجال من المجالات المرموقة .
ويضيف الأستاذ الفاسي الفهري في نفس المقال أن انفراد اللغة الأجنبية بهذه الوظائف المرموقة يحدث خللا واضحا في موقف المتكلم تجاه لغته فيشعر بنقصها وتدهور وظيفتها ومحدودية الفرص في استعمالها وفي الحصول على مناصب شغل الخ .. وتشقيق اللسن بهذا الشكل ينتج عنه الانفصام والشعور بالنقص والتشكيك في الهوية.
ولتحييد موقفه من التعريب وخلافا للرأي السائد فان مسالة التعريب في نظر عالمنا اللغوي لا يعني بالضرورة إحلال اللغة العربية محل اللغة الفرنسية، بل يعني أولا جعل اللغة العربية لسانا معبرا في مختلف القطاعات بمختلف الوظائف حتى يصبح اللسن العربي تاما ولن يتم ذلك الا بسياسة التعريب المدعوم.
5- التعريب المدعوم باللغات الأجنبية
التعريب المدعوم في نظر الأستاذ الفاسي الفهري هو سياسة لغوية يمكن أن تتحقق عبر سياسات وطنية وخطط متنوعة بما فيها الازدواج أو التعدد اللغوي المتزن. والتعدد اللغوي في نظر الكاتب مشروع طموح وصعب، قد يخل بالاندماج والاستقرار والتناغم المجتمعي إذا لم تكن الشروط البيئية والنفسية والثقافية جاهزة من اجل خدمة الأساس اللغوي الاندماجي.
إن الدعوة إلى الازدواج اللغوي أو التعدد اللغوي في قطاع من القطاعات لا يعني ضرورة ازدواجية اللسان أو الألسن، ويعطي مثالا عن الهولندي أو الفرنسي أو الألماني الذي يتعلم اللغة الانجليزية ويتقنها لتصبح لديه وسيلة اتصال بما يجد في ميدانه من معلومات وتقنيات ولكن هذا لا يعني انه يتكلم بها في محيطه (حتى ولو كان في الجامعة) بل إن اللغة الأجنبية لا تصبح لسانا معبرا إلا في حالات خاصة ومحدودة، هذا الوضع هو ما يحبذ الاستاذ الفهري ان يكون عليه التعريب المدعوم باللغات الأجنبية في بلدنا.
وفي نفس الاتجاه تساءل الأستاذ عبد الله العروي: لماذا لا نرضى بما يؤول إليه التطور تلقائيا، أي الازدواجية اللغوية؟ ولماذا لا نرحب بحالة مثل حالة الهند التي أحرزت درجة لا باس بها من العلم والتكنولوجيا؟ وهل هناك مصلحة حقيقية في طرح قضية التعريب سوى تعلق عاطفي بتراث قديم، وسوى مصلحة فئة قليلة من الفقهاء والأدباء والنحاة اللذين لا يتقنون شيئا غير اللسان القديم !!!
إن الاعتراض يبدو وجيها لكن عند التدقيق والتمحيص يظهر انه مبني على مغالطة على افتراض شيء لا وجود له في الواقع، فالاعتراض سيكون مقبولا لو كان يتنافس بالفعل في مغربنا و ووطننا مشروع التعريب ومشروع مضاد يستهدف تطورا ثقافيا بلسان متطور غير عربي وفي البلدان العربية (ليس هناك قرار تعريب جدي ولا قرار مضاد ) – المرجع السابق ص – 217
إن تدويل الاقتصاد وتدويل المعلومة وتدويل قنوات الاتصال.. كل ذلك أصبح يفرض علينا الوعي بوجود نظام دولي في كل شيء والذي يحرك هذا النظام و يؤطره ويتحكم فيه هي القوى العالمية الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وباقي الدول الأوربية لذا فان إرساء المغرب وانخراطه في النظام الدولي عبر اللغة الفرنسية وحدها ليس موفقا، وان تنويع أدوات ولغات الإرساء قد يؤدي إلى نتائج أفضل.
6-اهمية اللغات في تجويد التعلمات وفي النجاح المدرسي
من المغالطات المنهجية ان نربط ضعف المستوى التعليمي بالتعريب، في مقابل تحسن المستوى التعليمي بالازدواج اللغوي لان هذا المشكل مطروح حتى بالنسبة للغات الأجنبية الأخرى، فإذا أخذنا لغات دول راقية أو مصنعة مثل فرنسا أو ألمانيا أو اليابان فإننا لا نجد في لغات هذه الدول ما يكفي من المعلومات وهي تحتاج إلى إيجاد دعم مرجعي للغتها الوطنية عن طريق الانجليزية أساسا وبالتالي فان اللغة العربية ليست وحدها في وضع الضعف المرجعي النسبي ولكن من الخطأ أن نعتقد أن الدعم المرجعي المتوفر عن طريق الفرنسية كاف لبلوغ ما نرومه.
لذلك فمشكل انخفاض المستوى لا يتعلق باللغة العربية وإنما يتعلق بوسائط أخرى من جملتها ضعف مجالات كثيرة وضعف المحيط والمنظومة التي نعيش وسطها.
يرى الأستاذ الفاسي الفهري أن الصراع التحرري والصراعات الأخرى ذات الطبيعة السياسية مازالت قائمة حول مشكل اللغة ولا يمكن أن يحصل التعدد اللغوي الايجابي إلا بتهيئة الأوضاع البيئية والنفسية، وتمثل المدرسة البيئة الطبيعية لخلق التوازنات اللغوية الايجابية التي من شانها خدمة المواطنة والمجتمع المستقر المتناغم مع جذوره وأصوله، والقادر على الاتصال مع غيره.(كما جاء على لسان الأستاذ الفاسي الفهري)
7-الاصلاح اللغوي مرهون بالإصلاحات الكبرى.. وبشكل مستمر
يرى الاستاذ ع. الله العروي ان قرار إصلاح اللغة هو من أصعب القرارات في تاريخ كل مجتمع، ولا يجرا على اتخاذها إلا الزعماء الأقوياء، وفي بلد ذو نظام قوي..
يستخلص من هذه الرأي أن قضية اللغة هي في العمق قضية إصلاح متواصل و ليست خاصة باللسان العربي ولا متولدة عن بنية خاصة به… ويكتسي الأمر صفة مشكل حاد عندما تحدث ظروف تمنع من اتخاذ القرارات لتحقيق الإصلاحات اللازمة ومنها انعدام حكم قومي (عبد الله العروي – المرجع السابق – ص 219)
فماذا يحدث عندنا لما نترك الأمور على حالها؟
تتعمق الازدواجية أي التباعد بين المنطوق والمكتوب، بين اللهجات واللسان، فالوعي بضرورة الإصلاح لم يبعث من جديد إلا بعدما جاءت الصدمة الاستعمارية الجديدة، ودخل مجتمعنا في صراع مرير مع الغرب، وكان التناقض بين الأوضاع اللغوية في كلا المجتمعين في مستوى التناقض الموجود على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحضارية والعسكرية.
اننا اذا كنا نعني بالتعريب الحفاظ على صورة عارضة للعربية انجزها تطور تاريخي معين، وجمدت لأسباب سياسية واجتماعية معينة، فإننا لن نفعل سوى المحافظة على اصل المشكل ونؤخر الاصلاح الضروري، ومن يقول ان اللسان المعرب شكل حتمي تام ونهائي ما كان ان يكون ولا يمكن ان يكون على الصورة التي تحققت بالفعل يحكم على نفسه بتركيز الازدواجية التي نراها اليوم على درجتين: تساكن اللسان المعرب واللهجات في الحياة اليومية، ومزاحمة لسان اجنبي للسان المعرب في المدارس والجامعات )ص 223
في ظروفنا الحالية لم تعد العاطفة تلعب الدور الايجابي المعهود بل اصبحت حاجزا يمنع من ادراك حجم وعمق المشكلات ويجب اذن التحرر منها حتى نقضي على الازدواجية ونبدع وسيلة او وسائل لغوية وتواصلية للتفاهم سهلة وطيعة وقادرة على ترويج ثقافة جماهيرية وعصرية اي حاملة في كنهها فكرة الاصلاح الضروري المتواصل.

الاخبار العاجلة