إلى متى يستمر تفاقم الأوضاع؟!

29 مايو 2023آخر تحديث : الإثنين 29 مايو 2023 - 4:57 مساءً
admintest
كتاب وآراء
إلى متى يستمر تفاقم الأوضاع؟!

رغم تواصل الاحتجاجات وتوالي تحذيرات أحزاب المعارضة والمركزيات النقابية، والتنبيهات التي ما انفكت تحملها عديد التقارير الوطنية والدولية، ومنها تقارير المندوبية السامية للتخطيط حول استفحال الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وخاصة في صفوف ذوي الشهادات العليا، وتزايد إفلاس المقاولات وتصاعد نسبة التضخم، فإن حكومة عزيز أخنوش أبت إلا أن تستمر في صمتها الرهيب وصم آذانها، غير آبهة بالغليان الشعبي وتعالي الأصوات المنددة بغلاء الأسعار.
ذلك أن حكومة “الكفاءات” ولغرض في نفس رئيسها تعمدت التدخل في حينه لمحاولة ضبط الأسعار، واستمرت في تجاهلها الأمور إلى أن تفاقم الوضع وبلغ الغلاء مستويات قياسية، بسبب افتقارها إلى رؤية شمولية لمعالجة المشاكل المطروحة بحدة، علما أن المؤشرات كانت واضحة منذ عدة شهور، وتنذر بأن الأوضاع ستصل حتما إلى مرحلة خطيرة ما لم تتحرك الحكومة في اتجاه الحد من التوتر القائم، لاسيما أن هناك تقارير أشارت في عدة مناسبات إلى التضارب الكبير في الأسعار، عدم التدخل الحكومي لتسقيف الأسعار وضعف تأثير جمعيات حماية المستهلك.
فالعديد من المهتمين بالشأن العام والفعاليات السياسية والإعلامية، يحملون الحكومة المسؤولية في استفحال الأزمة التي تتخبط فيها البلاد، بسبب إخلالها بوعودها والتزاماتها في تحسين ظروف عيش المواطنين والتصدي لرموز الفساد. إذ أن ما أقدمت عليه من إجراءات لا يعدو أن يكون حلولا ترقيعية أو “مسكنات” لا تجدي نفعا في رفع المعاناة عن الشرائح الاجتماعية المتضررة من جحيم الغلاء الفاحش، فضلا عن أنها فشلت في تأمين السيادة الغذائية للبلاد وخلق طبقة وسطى في العالمين القروي والحضري.
وهل هناك من أدلة على فشل الحكومة أسطع من البلاغ الذي أصدره والي بنك المغرب حول وتصريحات المندوب السامي للتخطيط حول التضخم البنيوي وسوء التدبير، بالإضافة إلى إفلاس أكثر من 3800 شركة خلال الثلاثي الأول من سنة 2023، ويتوقع أن يشمل الإفلاس مع نهاية العام الجاري حوالي 15 ألف شركة، في حين لم تتجاوز 12 ألف شركة مفلسة في السنة الماضية؟ ففي تقرير حديث للمكتب المغربي “أنفوريسك” المتخصص في المعلومات المالية والقانونية للشركات، يشار إلى أن وتيرة إفلاس الشركات المغربية عرفت تسارعا خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية بعد إفلاس 3830 شركة، بزيادة قدرها 28 في المائة مقارنة مع نفس الفترة من السنة المنصرمة. وشكلت الشركات الصغيرة جدا نسبة 98,8 في المائة من إجمالي الشركات المفلسة، فيما بلغت نسبة الشركات المتوسطة والصغيرة 1,1 في المائة والشركات الكبيرة 0,1 في المائة.
والمثير للاستغراب أن رئيس الحكومة أخنوش لم يفتأ يلقي باللائمة على الحكومتين السابقتين، في محاولة يائسة للتملص من مسؤوليته فيما يعرفه المغرب من “إجهاد مائي” خاصة في علاقته بضعف نتائج المخطط الأخضر، علما أن حزبه كان من أبرز مكونات الائتلاف الحكومي السابق وما قبله، وكذا مما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية من ترد بسبب السياسة العامة المعتمدة من لدن حكومته. وإلى ذلك حذرت بعض النقابات من مغبة التغاضي عن التداعيات المحتملة لهذا التردي، داعية إلى ضرورة التدخل قصد تضميد جراح المواطنين وتخفيف أوجاعهم، التي تتفاقم من يوم لآخر بسبب القرارات الحكومية العشوائية والجائرة، من حيث استهداف جيوب الفئات المستضعفة والإضرار بقدرتهم الشرائية، إثر الارتفاع الصاروخي للأسعار الذي أصبحت عليه المحروقات وجميع المواد الغذائية الأساسية.
فما يغيظ المغاربة اليوم ويستفز مشاعرهم، هو غياب أي مبادرة حقيقية للحيلولة دون تواصل استنزاف قوتهم الشرائية المنهوكة أصلا، واكتفاء الحكومة بالترويج لمبررات واهية، تؤكد أنها فعلا “خارج التغطية” ولا تواكب التحولات الجارية في بنية الاقتصاد العالمي، في مقابل تنامي النزوع الاحتكاري للسوق المحلية، لاسيما فيما يرتبط بالمحروقات والمواد الغذائية. إذ طالما أوضحت المندوبية السامية للتخطيط استمرار تصاعد موجة غلاء الأسعار، وأفادت في مذكرة لها حول “الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك خلال شهر أبريل 2023” ارتفاع هذا الرقم بنحو 1,4 في المائة، جراء ارتفاع الرقم الاستدلالي للمواد الغذائية بنسبة 3,2 في المائة. وقد همت الزيادات المسجلة ما بين شهري مارس وأبريل 2023 على الخصوص، أثمان السمك وفواكه البحر بنحو 13,3 في المائة، الفواكه 11,4 في المائة، والخضر 5,4 في المائة، اللحوم 4,1 في المائة، الحليب والجبن والبيض 0,5 في المائة، الزيوت والذهنيات 0,3 في المائة، وما تزال اللائحة طويلة وعريضة…
ألا تستدعي مثل هذه الزيادات القاصمة للظهور انكباب حكومة أخنوش بالجدية اللازمة على بحث السبل الكفيلة بانتشال المواطنين من مستنقع الغلاء؟ ولم لا تتخذ إجراءات قوية لحماية القدرة الشرائية للمواطنين، وخاصة الفئات الأكثر تضررا؟ ثم من يا ترى يقف خلف عدم عودة الأسعار إلى طبيعتها بعد التحسن النسبي الذي تشهده السوق الدولية، دون أن يترك أثرا ملموسا على المغاربة؟
إن تصويت المغاربة الكثيف على أحزاب التحالف الحكومي الثلاثي في انتخابات 8 شتنبر 2021 التي بوأت حزب الأحرار الصدارة لقيادة الحكومة، كان بهدف التخلص من حزب العدالة والتنمية الذي أذاقهم المرارة وأجهز على أهم مكتسباتهم الاجتماعية خلال قيادته الحكومة لولايتين متتاليتين، اعتقادا منهم أن تأتي حكومة أخرى أفضل تعيد البسمة إلى أفواههم والسكينة إلى قلوبهم، بيد أنه لم يلبث أن خاب ظنهم وتأكد لديهم بأنه ليس بين القنافذ من هو أملس.

اسماعيل الحلوتي

الاخبار العاجلة