أكادير.. مدينة الانبعاث وطائر الفينيق وقبلة الغزاة

31 مارس 2021آخر تحديث : الأربعاء 31 مارس 2021 - 7:39 مساءً
admintest
الأخبار
أكادير.. مدينة الانبعاث وطائر الفينيق وقبلة الغزاة

يونس مسكين

إذا كان بين مدن العالم ما يستحق التشبيه بطائر الفينيق الأسطوري الذي ينبعث من رماده، فهو مدينة أغادير المغربية (وتكتب أيضا أكادير). فهذه الحاضرة التي باتت تعتبر من أكبر التجمعات السكانية في المملكة، شهدت مستهل العام 1960 أكبر وأعنف زلزال عرفه المغرب والعالم العربي في العصر الحديث. ورغم أن الزلزال لم يتجاوز 5.7 درجات على سلم ريختر من حيث شدته، فإنه كان كافيا لتسوية المدينة بكاملها بالأرض، موديا بحياة الآلاف من الأشخاص.

كان الرزء ثقيلا وشاملا، فقد فقد عامل المدينة (ممثل الملك) ثلاثة من أبنائه تحت الأنقاض، وكان القنصل الفرنسي يبكي ابنه “فيليب” الذي توفي جراء الزلزال، وخسر قائد الدرك الملكي حفيدته.. وبسبب تعدد الجنسيات والأديان الذي كان يميّز المدينة، فقد كانت الكارثة عالمية[1].
أغادير زلزال - جريدة سوس 24 الإلكترونية

خلال 15 ثانية فقط، أتى زلزال أغادير على المدينة فدمرها عن بكرة أبيها وقتل 15 ألف إنسان

حين سوى الزلزال أغادير بالأرض

15 ثانية من ليلة 29 شباط/فبراير 1960 كانت كافية أن تدك مدينة كاملة دكا شديدا. لم يسلم أحد من سكان المدينة لحظتها فتوزعوا بين قتيل وجريح، واضطرت السلطات المغربية إلى تحريك الجيش لتولي مهام الإنقاذ ومنع الفوضى، بينما تقاطرت على المغرب وقتها المساعدات الدولية وفرق الإنقاذ، وبفعل النهضة العمرانية السريعة التي عرفتها المدينة بعد تلك الكارثة، باتت تلقّب بمدينة “الانبعاث”.

نزل الملك المغربي الراحل محمد الخامس بالمدينة مؤازرا سكانها، وألقى خطابه الشهير الذي وردت فيه جملته الشهيرة: “لئن حكمت الأقدار بخراب أغادير، فإن بناءها موكول إلى إرادتنا وعزيمتنا”، ثم كلّف ولي عهده الحسن بالإشراف شخصيا على عمليات الإنقاذ وإعادة الإعمار.

هذا الأمير سوف يعود إلى المدينة وهو يحمل لقب الملك الحسن الثاني، ليقيم فيها معسكره الذي قاد منه إطلاق المسيرة الخضراء عام 1975، لاسترجاع الأقاليم الصحراوية للمملكة من الاحتلال الإسباني. بينما كان الحسن الثاني قد أشرف وهو ولي العهد على مشروع إعادة إعمار المدينة بعدما دمّرها الزلزال، وهو الإعمار الذي عرف بلقب “الانبعاث”، وهو نفس الاسم الذي أطلق على الملعب الرياضي الكبير الذي جرى بناؤه مباشرة بعد الزلزال المدمّر، كعلامة على الإرادة في النهوض من جديد.

وفي الذكرى 44 لهذه المسيرة التي يحتفل بها المغاربة يوم 6 نوفمبر/تشرين ثاني من كل سنة، قال الملك الحالي محمد السادس متم العام 2019، إنه ومنذ استرجاع المغرب لصحرائه، لم تعد العاصمة الرباط هي وسط المملكة، بل أغادير هي التي تتوسّط المجال الترابي للبلاد، داعيا الحكومة إلى ربطها بالسكة الحديد التي تنتهي عند مدينة مراكش[2].

عروس الأطلسي المرغوبة.. جذور في الحضارات القديمة

أغادير مدينة مغربية حديثة تتوسّط الساحل الغربي للمملكة المطل على المحيط الأطلسي، وتشتهر محليا ودوليا بشواطئها الجميلة التي تعانق مناظر جبلية خلابة ضمن امتداد جغرافي لسلسلة جبال الاطلس الكبير، فهي تتوسّط ثلاثة أقاليم هي: تزنيت جنوبا والصويرة شمالا وتارودانت شرقا، بينما يتوزّع سكانها بين تجمّعين حضريين كبيرين هما أغادير إداوتانان وإنزكان[3].

بدأ أول تخطيط حضري لأغادير كمدينة في ثلاثينيات القرن العشرين، أي في عهد الحماية الفرنسية، حين كان تعداد سكانها وقتها لا يتجاوز ألفي نسمة. بينما أبان آخر إحصاء عام للسكان عرفه المغرب عام 2014 أن عدد سكان المدينة يتجاوز 800 ألف نسمة. وتشير أعلى التقديرات لحجم ساكنة المدينة لحظة إصابتها بزلزال 1960 المدمّر إلى حوالي 60 ألف نسمة قضى أكثر من ربعهم تحت الأنقاض، أي زهاء 15 ألف ضحية.

وتعيد الدراسات التاريخية أصل الحضارة في مدينة أغادير إلى العهدين الفينيقي والقرطاجي، حيث كان الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمدينة على الساحل الأطلسي مغريا لهاتين الحضارتين المعروفتين باعتمادهما على التجارة. وتربط بعض المصادر بين اسم المدينة، أي كلمة “أغادير” الأمازيغية، وبين جذور فينيقية تعني “الحصن” أو “المخزن” الذي يستعمله سكان المنطقة بشكل جماعي لحفظ مؤونتهم[4].

وتعود أولى آثار المدينة في الخرائط الأوروبية إلى القرنين 14 و15، وفي رسالة موجهة إلى الملك البرتغالي عام 1505، جرت الإشارة إلى وجود سوق أسبوعي في المنطقة، أطلق عليه اسم “أربعاء أغادير”، مما يعني وجود تجمع بشري سابق على الوجود البرتغالي[5].

أغادير لمن - جريدة سوس 24 الإلكترونية
أبطال قادوا المغرب نحو التحرر من المستعمرين الذين قسموها حصصا بينهم

معركة قتل الملك.. طرد البرتغاليين من السواحل المغربية

لم تشتهر أغادير إلا بعد استقرار أحد النبلاء البرتغاليين فيها في بدايات القرن الـ16، وهو “جواو لوبيز دي سيكويرا” الذي جعل المدينة موقعا لممارسة التجارة والصيد البحري، لكنه تخلى عن جميع ممتلكاته حوالي العام 1523 -بما فيها موقع أغادير التجاري- لحساب ملك البرتغال الذي حوّل المدينة إلى موقع تجاري وعسكري حيوي، فقام بإنشاء حامية عسكرية في الموقع المعروف باسم “سانتا كروز دي كاب دي غي”، قبل أن تفلح محاولات المجاهدين المغاربة في استعادة المدينة بقيادة السلطان السعدي محمد الشيخ[6].

حاولت قبائل المنطقة بمجرد أن وطئ البرتغاليون أرضهم وشيدوا فوقها أول حصونهم، مقاومة هذا العدوان وطرد المحتلين، إلا أن المدفعية البرتغالية المتطورة وقتها لم تكن رحيمة بهم، حيث كانت تمزّق أجسادهم كلما حاولوا الاقتراب من حصن “فونتي” الشهير. ثم قاد السلطان السعدي محمد بن عبد الرحمن -المعروف باسم محمد الشريف- الهجمات العسكرية تباعا ضد المعسكر البرتغالي، حيث كان السلاح نقطة ضعف المقاتلين المغاربة بالرغم من كثرتهم العددية[7].

ويروي كتاب “المغرب مستنقع المحتل” لصاحبه مبارك فوقص، كيف توالت اغتيالات رجال القبائل المحلية للقادة العسكريين البرتغاليين بعد قضائهم على القادة المحليين المتعاونين معهم، لتنتهي المواجهة بمعركة كبرى جرت يوم 14مارس/آذار 1541، وتقول المصادر إن الجيش السعدي المغربي فقد فيها الآلاف من جنوده، وتحتفظ المنطقة بمقابر خاصة بهم، لكنهم تمكنوا من طرد البرتغاليين من ساحل أغادير، فقتل منهم من قتل، وأسر آخرون ثم جرى بيعهم في أسواق العبيد المغربية، وعمل قائد عسكري برتغالي منذ ذلك الحين بستانيا في قصر السلطان[8].

كانت معركة أغادير هذه فارقة في تاريخ المغرب، حيث قلبت موازين القوى التي لم تكن في صالح المغرب، ودشّن السعديون بها سلسلة من الانتصارات لتحرير الثغور الساحلية للمملكة التي استقرت فيها الجيوش الأوروبية، وهو ما انتهى بمعركة وادي المخازن الشهيرة التي قتل فيها ملك البرتغال وشكّلت بداية لزوال الإمبراطورية البرتغالية[9].

تحوّلت أغادير بعد طرد البرتغاليين منها إلى مرفأ تجاري دولي، فأصبحت بوابة تجارية يرتادها الأوروبيون من مختلف الجنسيات، وتلتقي فيها تجارتهم القادمة من الشمال بالقوافل التجارية التي كانت تعبر الصحراء قادمة من العمق الأفريقي، بينما كانت منطقة سوس التي تتوسطها أغادير تشهد ازدهارا لتجارة السكر الذي كان يصنّع محليا[10].

بريطانيا وإسبانيا.. صراع القوى الاستعمارية على المغرب

رغم التحرير المغربي الناجح لموقع أغادير التجاري والعسكري، فإن الأطماع الأوروبية لم تتوقّف، فقد أعادت القوى الاستعمارية محاولات متكررة للحصول على موطئ قدم في هذه المنطقة من الساحل الغربي للمغرب.

وفي بداية القرن 18 أخذت المدينة تخبو من حيث الإشعاع التجاري، بفعل الصعود القوي لميناء آخر يقع إلى الشمال منها، وهو ميناء موغادور الذي استحوذ على كثير من الأنشطة التجارية.

وفي عهد السلطان المغربي محمد الثالث عقدت معاهدة بين المغرب وإسبانيا بتاريخ 28 مايو/أيار 1767 وتتعلق بالأمن والعلاقات التجارية، وبموجبها يتنازل المغرب لإسبانيا عن حق الصيد في المياه الإقليمية ابتداء من سانتا كروز شمالا.

وفي عهد محمد الرابع انتزعت إسبانيا من المغرب بناء على اتفاقية تطوان 1860 (أعقبت هزيمة عسكرية فادحة للمغرب)، حق الحصول على مركز للصيد بما يسمى لا سانتا كروز لا بيكينيا، على أن يقوم الطرفان بتحديد المنطقة بواسطة ممثليهما[11].

أصبح الخلاف بين المغرب وإسبانيا بعد ذلك يتعلق بتحديد موقع سانتا كروز، ذلك أن مواقع عديدة في هذا الساحل تحمل هذا الاسم، وأصبحت بريطانيا تخشى دخول إسبانيا على موقع أغادير وسيطرتها عليه، وهو ما نفته مدريد تجنبا للاصطدام مع القوة البريطانية الباحثة عن موطئ قدم في المنطقة. واستمر التنافس الإسباني البريطاني حول موقع أغادير، وتواصلت معه محاولات السلاطين المغاربة تأكيد سيادتهم الكاملة على المنطقة وما يليها من الصحراء جنوبا[12].

أغادير سفينة - جريدة سوس 24 الإلكترونية
ألمانيا ترسل بارجة حربية قبالة ساحل أغادير سنة 1906، بدعوى حماية رعاياها الموجودين فيها

بارجة حربية قرب أغادير.. ألمانيا تفسد الحفلة الفرنسية

كان البروز الأقوى لاسم مدينة أغادير على الصعيد الدولي سنة 1911، حين تحوّلت إلى موضوع لأزمة عسكرية خطيرة بين ألمانيا وفرنسا، كادت تتحوّل إلى شرارة اندلاع الحرب العالمية الأولى.

فبينما كانت فرنسا تعمل على استكمال احتلالها للمغرب بناء على مقتضيات اتفاقية الجزيرة الخضراء 1906 التي شاركت فيها الدول الاستعمارية الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية لتحديد مصير المملكة؛ بعثت ألمانيا بارجة حربية قبالة ساحل أغادير، بدعوى حماية رعاياها الموجودين فيها، وهو ما كاد يتحوّل إلى مواجهة عسكرية دولية.

كان المغرب موضوعا لصراع حادّ بين فرنسا وألمانيا منذ أواسط القرن الـ19، فقد سعيا إلى الحصول على النفوذ والامتيازات التجارية، كما تنافست القوتان الأوروبيتان حول عقود إنجاز بعض المشاريع الكبيرة مثل خط السكك الحديدية. كل ذلك سيحسم في أزمة العام 1911 التي كادت تتحوّل إلى مواجهة شاملة.

وشهدت تلك السنة تصاعدا لبوادر انفجار الصراع بين القوى الأوروبية، وتجسّد ذلك في المشاكل البلقانية المتعددة، والصراع حول تقاسم المشرق العربي بين القوى الاستعمارية، وكان كل تحرّك تصعيدي يهدد بتفجير المواجهة الكونية.

تأمين الملك من القبائل الثائرة.. سقوط فاس العاصمة

لم تكن الجبهة المغربية بعيدة عن هذا التقاطب الحاد بين القوى الأوروبية، ففي بداية العام 1911 بدأ القادة العسكريون الفرنسيون يلحّون في ممارسة أقصى درجات الضغط على المغرب لتوسيع دائرة المناطق التي قاموا باحتلالها منه انطلاقا من الأراضي الجزائرية التي كانت تحت الاستعمار الفرنسي، وانطلاقا من الساحل المقابل لمدينة الدار البيضاء التي قامت فرنسا بغزوها بشكل مدمّر.

قامت فرنسا بالتقدّم عسكريا في بداية 1911، واحتلت قبائل زعير المحيطة بمدينة الرباط، وتوالت تحضيراتها للهجوم على عاصمة المغرب وقتها مدينة فاس، لإخضاع المملكة للاحتلال بشكل رسمي.

ثم توالت الأحداث بعد ذلك من خلال تحركات دبلوماسية مكثفة وأخرى ميدانية كانت بعض القبائل المغربية تقوم بها في محيط فاس تعبيرا عن تمردها على السلطان مولاي عبد الحفيظ، لفشله في دفع المحتلين وإطلاقه يد ولاته لممارسة الظلم والاستبداد.

وبطلب شكلي من السلطان لداعي حاجته إلى الحماية من هجوم القبائل الثائرة، حرّكت فرنسا قواتها واحتلت مدينة فاس عاصمة البلاد، وحصلت على تأييد بريطانيا وروسيا، بينما انتهزت إسبانيا الفرصة لتحتل مواقع في شمال المغرب[13].

 

صفقة الكونغو.. تقاسم الكعكة الاستعمارية

اعتبرت ألمانيا هذه التطورات فرضا للأمر الواقع وإضرارا بمصالحها، وانطلقت الصحافة الألمانية مهاجمة فرنسا متهمة إياها باستهداف مصالحها في المغرب، واعتبرت ألمانيا الهجوم الفرنسي على فاس واحتلالها إسقاطا للتوافقات السابقة بخصوص المغرب، وبشكل مفاجئ لم يتوقعه أحد، جاء الرد الألماني على بعد مئات الكيلومترات إلى الجنوب من فاس، وتحديدا في الساحل المقابل لمدينة أغادير.

ففي الفاتح من يوليو/تموز 1911، ظهرت بارجة حربية ألمانية قبالة أغادير، وهي التي تحمل اسم “بانتير”، وانتشرت الأخبار بشكل سريع على الصعيد الدولي، عن تحرك عسكري ألماني لضرب الوجود الفرنسي في المغرب، بينما كان الأمر يتعلّق بتخطيط ألماني مسبق بهدف إحداث أثر نفسي لدى الفرنسيين، ودفعهم إلى تقديم مقابل يليق بالطموحات الألمانية.

وقدّم السفير الألماني في باريس صبيحة اليوم نفسه، أي 1 يوليو/تموز 1911، مذكرة إلى وزارة الخارجية الفرنسية، قال فيها إن المؤسسات الألمانية المستقرة بالجنوب المغربي، وخاصة بأغادير والمناطق المجاورة لها قد تخوّفت من حدوث تشويش أكيد بين قبائل المنطقة، يظهر أنه ناتج عن الأحداث الأخيرة في مناطق أخرى من البلاد، والإشارة هنا كانت الى الاحتلال العسكري الفرنسي لمدينة فاس[14].

زعمت ألمانيا أن المؤسسات التي يقيمها مواطنوها في مدينة أغادير ومحيطها طلبت منها الحماية، وأنها استجابت لذلك بإرسال بارجة بحرية. والحقيقة أن الأسباب الحقيقية لهذا التصعيد الألماني إنما هي المطالب بتعويض فرنسي يتمثل في الحصول على الجنوب المغربي كمستعمرة لها، بما أن إسبانيا حصلت على الساحل الشمالي. ولم تكن فرنسا قادرة على التصعيد العسكري مخافة اندلاع حرب شاملة، خاصة أن القوى الدولية الكبرى مثل بريطانيا وروسيا لم تقدم لها الدعم الكافي في هذه الأزمة.

وعلّق السلطان المغربي مولاي عبد الحفيظ آمالا كبيرة على هذه الخطوة الألمانية، حيث رأى فيها فرصة لتحقيق بعض التوازن مع فرنسا التي استفردت به وفرضت عليه شروطها ليقبل بحمايتها له، لكن التفاوض بين ألمانيا وفرنسا اقتصر على مصالحهما الخاصة، ولم يحقق أي مكاسب للمغرب.

اقترحت فرنسا على ألمانيا الحصول على مكاسب اقتصادية في المغرب، مقابل اعترافها بخضوعه للحماية الفرنسية، لكن طموح ألمانيا كان أكبر من ذلك، وأصبح الحصول على الكونغو كمستعمرة خاصة بألمانيا هو الثمن المطلوب، واستمرّ التفاوض عسيرا إلى غاية نوفمبر/تشرين ثاني، حيث جرى التوقيع على مقايضة الاعتراف الألماني بالاحتلال الفرنسي للمغرب، مقابل حصول ألمانيا على الكونغو[15].

“أدركت مدى اقترابنا من الحدث الأسمى”.. نبوءة “تشرشل”

“كل أجراس الإنذار في كامل أوروبا بدأت تدق”. يقول السياسي البريطاني الشهير “ونستون تشرشل” عن تلك الأزمة الألمانية الفرنسية التي صادفت وجوده على رأس وزارة الداخلية البريطانية كواحد من أصغر الوزراء سنا. وخلال هذه الأزمة بدأت تبرز تصورات “تشرشل” الجديدة تجاه فكرة الحرب واحتمال اندلاعها مع ألمانيا، بل إن كثيرين يعتبرونها الشرارة التي أشعلت فتيل الحرب العالمية الأولى[16].

ويكشف الأرشيف الذي خلّفه “تشرشل” كيف بدأ في تصوّر سيناريو الحرب مع تلك الأزمة، فقد اعتبر أن الاصطدام سيحصل بين بريطانيا وفرنسا وروسيا من جهة، وألمانيا والنمسا من جهة ثانية، واعتبر منذ البداية أن الجزء الحاسم من هذه الحرب هو الذي سيدور بين فرنسا وألمانيا، وأوصى بناء على ذلك بإرسال ما لا يقل عن 100 ألف جندي بريطاني إلى فرنسا مع انطلاق الحرب، من خلال سحب قوات بريطانية من الهند[17].

كما تبيّن مذكرات “تشرشل” الخاصة بالحرب العالمية الأولى، كيف أنه ظل متشبثا بأمله في تجنّب الحرب مع ألمانيا، إلى غاية حدوث أزمة أغادير، حيث أصبح يتقدّم صفوف المطالبين باستعداد بريطانيا لمواجهة عسكرية شاملة. فقد كان في السابق يردّد أن الحديث عن الحرب مجرد هراء، لكون بريطانيا جزيرة معزولة، وتناقضات مصالحها مع ألمانيا لا ترقى إلى درجة الحرب، لكن أزمة أغادير غيّرت اعتقاده هذا[18].

ففي فقرة كتبها عام 1917 -أي في عز الحرب العالمية الأولى- قال “تشرشل”: “أدركت مدى اقترابنا من الحدث الأسمى”، في إشارة منه إلى الحرب الكونية الأولى. بينما كان رئيس الوزراء البريطاني “آرثر بلفور” قد اعترف بصدق توقعات “تشرشل” المبكرة، حيث قال بمجرد اندلاع الحرب عام 1914، إن مذكرة وزير الداخلية السابق “ونستون تشرشل” حول إيذان أزمة أغادير بحتمية الحرب، كانت ضربا من النبوءة[19].

لم تحلّ عقدة الأزمة الدولية التي كانت أغادير محورا لها إلا عندما شرعت فرنسا في تقديم تنازلات لألمانيا في المستعمرات الإفريقية. وكانت بادرة الاتفاق حين أعلنت فرنسا استعدادها للتنازل عن جزء من الأراضي التي تحتلها في الكونغو، بشكل يجعل الأراضي الكاميرونية التي تحتلها ألمانيا متصلة بنهر الكونغو، وذلك في مقابل تنازل ألمانيا عن موقع قريب من بحيرة تشاد، وهو تطوّر سريع أفضى الى اتفاق “المغرب مقابل الكونغو” بين فرنسا وألمانيا[20].

أغادير قصبة - جريدة سوس 24 الإلكترونية

قصبة أغادير أوفلا أهم المعالم التاريخية للمدينة، والمعلم الوحيد الذي لم يتدمر بزلزال 1960

ابنة البحر والجبل وجارة الصحراء.. ملكة السياحة المغربية

تربّعت مدينة أغادير لسنوات طويلة على عرش السياحة بالمغرب، مستفيدة من موقعها الجغرافي الذي يجمع بين جمال البحر والجبل، قبل أن تزيحها مدينة مراكش من هذه المكانة، فقربها من المناطق الصحراوية جنوب المغرب يجعل مناخها مشمسا ودافئا، إضافة إلى شاطئها البحري الجميل الممتد لأكثر من 9 كيلومترات، وهو ما يستهوي آلاف السياح الأجانب سنويا، وبين نشاط الصيد البحري المزدهر والأراضي الفلاحية الخصبة المحيطة بها، تتمتع المدينة بمؤهلات اقتصادية كبيرة[21].

تعتبر قصبة أغادير أوفلا أهم المعالم التاريخية للمدينة، فقد نجت من الدمار رغم تضررها من جراء زلزال 1960. وتعتبر القصبة في الأصل حصنا عسكريا أسسه السلطان السعدي محمد الشيخ أواسط القرن 16، لحماية المدينة من الهجمات البرتغالية، حيث يرتفع بناء القصبة بنحو 230 مترا عن مستوى البحر[22].

وكانت القصبة في بدايات وجودها حصنا منيعا يوفر مقومات الحياة الطبيعية بداخله، من بيوت ومسجد وأحياء خاصة بالمسلمين، وأخرى خاصة باليهود الذين كانوا يشكلون نسبة مهمة من ساكنة المغرب.

وقد أطلق البرتغاليون على هذه القصبة اسم “البيكو”، بينما أصبحت اليوم قبلة مفضلة للسياح الأوروبيين الذين يترددون على المدينة، حيث يوصل إليها من خلال صعود الجبل الذي تتربع على قمته، وذلك بواسطة السيارات أو الدراجات الهوائية، حيث تستهوي الطريق الجبلية المتعرجة والمنظر الخلاب، عشاق رياضة الدراجات[23].

عن الجزيرة الوثائقية

المصادر

[1] https://www.lefigaro.fr/histoire/archives/2015/02/27/26010-20150227ARTFIG00256-29-fevrier-1960-agadir-detruite-en-15-secondes.php

[2] https://www.youtube.com/watch?v=1T-nYQNmRAE
[3] shorturl.at/dyADS

[4] shorturl.at/bkmHP

[5] https://www.youtube.com/watch?v=k7DMuL5CYjM
[6] shorturl.at/dzDLY

[7] shorturl.at/ipuBL

[8] shorturl.at/bO235

[9] https://attaric.com/?p=24904

[10] https://attaric.com/?p=24904

[11] http://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/4629

[12] http://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/4629

[13] الخمار مكوار، الصراع الألماني الفرنسي حول المغرب 1870-1912، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، 2020
[14] الخمار مكوار،، مرجع سابق
[15] الخديمي علال، التدخل الأجنبي والمقاومة بالمغرب 1894-1910 حادثة الدار البيضاء واحتلال الشاوية، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 1991
[16] https://www.historyonthenet.com/agadir-crisis

[17] https://www.historyonthenet.com/agadir-crisis

[18] https://winstonchurchill.hillsdale.edu/character-preparedness-agadir/

[19] https://winstonchurchill.hillsdale.edu/character-preparedness-agadir/
[20] https://www.mtholyoke.edu/acad/intrel/boshtml/bos137.htm

[21] shorturl.at/nrAN2

[22] shorturl.at/iCTW1

الاخبار العاجلة