هذه المطاردات الأمنية المحمومة والمفجعة!

7 مايو 2022آخر تحديث : السبت 7 مايو 2022 - 2:32 مساءً
admintest
كتاب وآراء
هذه المطاردات الأمنية المحمومة والمفجعة!

لم يمض سوى حوالي ستة شهور على الموت التراجيدي للشاب يوسف الذي كان ينتمي قيد حياته لفصيل “غرين بويز” أحد أبرز الفصائل المناصرة للفريق الكروي “العالمي” الرجاء البيضاوي، على إثر مطاردته خلال شهر نونبر 2021 من طرف ثلاثة عناصر من فرقة الصقور الأمنية. وما أثارته تلك الفاجعة التي هزت ساكنة مدينة الدار البيضاء والجمهور الرياضي الواسع من استياء عارم وردود فعل متباينة حول السبب الرئيسي لهذا الحدث المفجع، بين من اعتبره مجرد قضاء وقدر ومن عزاه إلى الاعتداء الشنيع الذي تعرض له الفقيد على يد مطارديه من عناصر الأمن، كما صرحت بذلك والدته في إبانه.
وبصرف النظر عن قرار النيابة العامة القاضي بحفظ ملف القضية، التي أشعلت فتيل جدل واسع واستأثرت باهتمام الرأي العام الوطني، خاصة بعدما ظلت أصابع الاتهام تشير إلى أن مقتل الشاب “يوسف” يعود بالأساس إلى دورية الدراجين، حيث أطلق نشطاء الفضاء الأزرق هاشتاغ بعنوان “العدالة ليوسف” تم تداوله على نطاق واسع بين المواطنين على صفحات التواصل الاجتماعي داخل المغرب وخارجه.
حتى فوجئ المغاربة كافة وهم يتهيؤون لاستقبال عيد الفطر المبارك بوفاة شاب آخر، وهو الشاب المسمى “عثمان” الذي لقي بدوره مصرعه فور سقوطه أرضا من على متن دراجته النارية متأثرا بجروح على مستوى الرأس لعدم ارتداء الخوذة الواقية، بينما تعرضت مرافقتاه لجروح بليغة متفاوتة الخطورة. وذلك على إثر مطاردة محمومة من قبل شرطي بنفس المدينة “الغول”، بعد أن رفض الخضوع للأمر بالتوقف. مما خلف حزنا عميقا بشكل خاص بين أبناء الجيران وزملائه في الدراسة، وأفراد عائلته التي طالبت بإنصافها من خلال اعتقال الشرطي الدراج ومحاكمته، متهمة إياه بالتسبب في مقتل ابنها “عثمان”.
وكما هي عادته في مثل هذه الأحداث المثيرة لكثير من الجدل والصخبـ، أبى المدير العام للأمن الوطني عبد اللطيف الحموشي إلا أن يدخل على الخط ويسارع إلى إصدار تعليماته من أجل تعميق البحث في اتجاه الوقوف على مدى مسؤولية الشرطي في وقوع الحادثة الأليمة. حيث باشرت المصلحة الولائية للشرطة القضائية ابتداء من مساء يوم الخميس 28 أبريل 2022 بحثا قضائيا تحت إشراف النيابة العامة المختصة، بواسطة العمل الجاد على تفريغ مجموعة من المحتويات الرقمية، معتمدة في ذلك على كاميرات المراقبة التي توثق بدقة للحركة المرورية بالشوارع الكبرى، بغرض الكشف عن الظروف والملابسات الحقيقية التي أدت إلى تدخل الشرطي المشتبه في تورطه وتحديد ما إذا كانت هناك إخلالات وتجاوزات محتملة منسوبة له، فضلا عن تجميع إفادات الشهود الذين عاينوا المطاردة ووقوع “الفاجعة”.
فكان أن تم على عجل وتفاديا لما من شأنه توسيع دائرة اللغط غير المجدي، إيداع الشرطي الدراج تحت تدبير الحراسة النظرية في انتظار تعميق البحث القضائي، لتقوم بعد ذلك المصلحة الولائية الجنائية بمدينة الدار البيضاء عقب انتهاء مدة الحراسة النظرية، بتقديمه أمام الوكيل العام للملك في حالة اعتقال، ويحيله على قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف الذي استمع إليه تمهيديا، ومن ثم بادر هو الآخر إلى اتخاذ قرار بمتابعة “المتهم” في حالة اعتقال، موجها إليه تهمة “الإيذاء العمدي المفضي إلى الموت دون نية إحداثه”، إثر تسببه في حادث سير مميت أثناء أداء واجبه المهني في الطريق العام.
وفي الوقت الذي تعالت فيه أصوات الاستنكار والتنديد بتواصل مسلسل هذه المطاردات المحمومة، وما تخلفه وراءها من ضحايا على أيدي الجهات الأمنية التي يفترض فيها السهر على سلامة المواطنات والمواطنين وحماية أرواحهم، مهما بلغ بهم التهور ومخالفة قانون السير وعدم الامتثال لأمر التوقف، دون اللجوء إلى تلك المطاردات المرعبة لما قد تشكله من أضرار وأخطار على الفارين من “العقاب”.
خرج مواطنون آخرون ينادون بالحرية للشرطي الموقوف، مطالبين الجهات المسؤولة بتمتيعه بالسراح المؤقت، بدعوى أنه كان يقوم بأداء واجبه المهني وفق المنصوص عليه قانونا في ضبط مخالفي قواعد السير في الشارع العام، وأن الحادث المأساوي ما كان ليحدث لو أن الضحية “عثمان” رضخ لأمر الشرطي في حينه، رافضين تقسيم المجتمع والتشهير برجال الأمن في الوقت الذي يتم فيه غض الطرف عن المجرمين الحقيقيين، الذين يستنزفون خيرات البلاد والعباد ويقتلون الأبرياء في جنح الظلام وداخل المستشفيات العمومية بسبب الإهمال…
وجدير بالإشارة أنه في ذات السياق، أعلنت الأمانة العامة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان عن تضامنها اللامشروط ليس فقط مع عائلة الضحية في المصاب الجلل، بل كذلك مع الشرطي المعتقل الذي ترى أنه أراد فقط توقيف سائق الدراجة النارية بحكم ما أتى على اقترافه من أفعال منافية لقانون السير، ملتمسة من النيابة العامة الإفراج الفوري عنه، اعتبارا لعدم وجود أي نية لديه في إلحاق الضرر بالفقيد، ومحملة كامل المسؤولية لمجلس مدينة البيضاء عن تقصيره في ردم الحفر وإغلاق البالوعات المفتوحة، وغيرها من الاختلالات الأخرى التي تعرقل حركة السير والجولان…
إننا نأسف لاستمرار مثل هذه المطاردات المرعبة التي ما انفكت تتسبب في إزهاق أرواح المواطنين، وفي انتظار أن تقول العدالة كلمتها الفصل باعتبارها الجهة الوحيدة المخول لها حق النطق بالحكم العادل، نأمل أن تنكب مصالح الأمن الوطني على إيجاد الحلول المناسبة لتوقيف مخالفي قانون السير من مستعملي الدراجات النارية، دون الاضطرار إلى مثل هذه المطاردات القاتلة.

اسماعيل الحلوتي

الاخبار العاجلة