محاضر الضابطة القضائية …عيوب الشكل والجزاءات المترتبة عليها

14 مارس 2021آخر تحديث : الأحد 28 مارس 2021 - 10:11 صباحًا
admintest
ملفات قانونية
محاضر الضابطة القضائية …عيوب الشكل والجزاءات المترتبة عليها

بقلم المختار السريدي:

إن عمل الضابطة القضائية الذي تتم ترجمته في شكل محاضر، هو عمل ليس بالسهل كما يتصوره البعض من الناس ، فهو يتطلب دراية تامة بالنصوص القانونية الإجرائية منها وحتى الموضوعية المطبقة على كل فعل أوكل واقعة جرمية ، كما يتطلب بالإضافة إلى ذلك مهارة تقنية عالية وتجربة وتمرسا في الميدان ، بل هو أكثر صعوبة وتعقيدا مما يمكن أن يتصور، ولهذا فهو يتطلب قليلا من الصبر والتريث كثيرا من الحزم واليقظة ، وهذا ما يعطي للعمل الضبطي قيمته القانونية وحجيته الثبوتية التي تساعد القضاء في استتباب الأمن والطمأنينة وتأدية الأمانات إلى أهلها والحكم بين الناس بالعدل ، وهذا لن يتأتى إلا إذا كان العمل المذكور صحيحا في الشكل سليما في الإجراء ومنجزا وفق المقتضيات المنصوص عليها في القانون.

وفي هذا الشأن جاءت المادة 289 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أنه : « لا يعتد بالمحاضر والتقارير التي يحررها ضباط وأعوان الشرطة القضائية والموظفون والأعوان المكلفون ببعض مهام الشرطة القضائية ، إلا إذا كانت صحيحة في الشكل وضمن فيها محررها وهو يمارس مهام وظيفته ما عاينه أو تلقاه شخصيا في مجال اختصاصه . »
كما تنص المادة 751 من نفس القانون على أن : « كل إجراء يأمر به هذا القانون ولم يثبت إنجازه على الوجه القانوني يعد كأنه لم ينجز، وذلك مع مراعاة مقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 442 المتعلقة بجلسات غرفة الجنايات. »

فبمقتضى هاتين المادتين يتبين وبما يدع مجالا للشك أو التأويل أن جميع الإجراءات الشكلية المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية بما فيها تلك المتعلقة بمحاضر الضابطة القضائية يجب أن تتم وفق الطريقة التي حددها ووضعها القانون ، ومن هذا المنطلق فإنه يجب عدم الخلط بين الإجراءات وبين شكل القيام بهذه الإجراءات ، فتفتيش المنزل يعتبر إجراء، لكن حضور صاحب المنزل الذي يشتبه في مشاركته في الجريمة أو ممثله أو الغير عملية التفتيش والدخول إلى المنزل في أوقات معينة هو شكل إجراء التفتيش ، كما أن عملية الإستماع إلى الظنين في محضر قانوني تعتبر إجراء وتضمين هذا المحضر كل البيانات القانونية بما في ذلك يوم وساعة إيداع الظنين في الحراسة النظرية ويوم وساعة إطلاق سراحه أو تقديمه إلى القاضي المختص هو شكل الإجراء. والوضع تحت الحراسة النظرية يعد إجراء ومدة الوضع تحت الحراسة وكيفيات وطرق وأسباب تمديدها وإخبار الظنين بدواعي اعتقاله وبكافة حقوقه هو شكل الإجراء، وهكذا …

هذا التمييز الدقيق ما بين الإجراء وشكل الإجراء هو ما وضحته مقتضيات المادة 751 سالفة الذكر، التي تقول بأن كل إجراء من هذه الإجراءات إدا لم يتم أو لم ينجز بالكيفية القانونية الصحيحة والسليمة يعد كأنه لم يتم أو لم ينجز أصلا ، وهدا يعني أن الإجراء قد تم بالفعل لكنه لم يتم وفق مقتضيات القانون الذي أمر به ، وهذا خلاف ما نحى إليه الدكتور أحمد الخمليشي الذي يقول في شرحه لقانون المسطرة الجنائية المغربي بأن : ” المادة 765 من قانون المسطرة الجنائية (المادة 751 حاليا ) تتعلق بالإجراءات التي يثبت انجازها نهائيا…وليس بالإجراءات التي ثبت القيام بها ولكنها أنجزت على غير الوجه الذي يأمر به القانون “(1)

وحسب بعض الممارسين والدارسين فإن ما ذهب إليه الدكتور الخمليشي لا يصمد أمام التحليل المنطقي لنص المادة 751 من قانون المسطرة الجنائية ، ذلك أن عبارة “يعد كأنه لم ينجز” الواردة في هذه المادة كافية لتفنيد رأي الخمليشي ، لأن حرف ” كأن” يعتبر حرف نصب وتشبيه (2) بحيث يتم تشبيه الشيء بالشيء الآخر أو تشبيه الفرع بالأصل ، فلو أن الأمر يتعلق بالإجراء الذي لم ينجز نهائيا لما أمكن تشبيهه بنفسه ، كما لا يصح أن نقول “زيد “ كأنه يشبه زيد، أو نقول “عمرو” كأنه يشبه عمرو، فهذا ما لا يقبله المنطق والعقل السليمين، كذلك لا يمكن أن نقول عن الإجراء الذي لم ينجز بالمرة كأنه لم ينجز ما دام أنه معدوم أصلا .

إن ما تقصده المادة 751 في حقيقة الأمر هو ذلك الإجراء الذي أنجز فعلا ، غير أنه لم ينجز على الشكل الذي يأمر به القانون ، ونظرا لهذا العيب فقد تم تشبيهه بذلك الإجراء الذي لم ينجز نهائيا (3). فقد حاول الأستاذ الخمليشي تبرير وجهة نظره وعاد ليقول : ” … وإذا اكتفينا بالقول بأن الإجـراء المخالف إنجازه للقانون يعتبـر كأن لم يكـن ، فـإن النتيجـة هي أن الإجـراءات الأخرى تكون صحيحة ولا تتأثر بالإجراء المخالف للقانون ، لأنه معدوم وغير موجود قانونا ، وغير الموجود لا يصح عقلا ومنطقا أن يؤثر على ما في الوجود.”

ويضيف الخمليشي : ” … وفي هذا الحكم وإذا قلنا أن الوضع تحت الحراسة النظرية كان مخالفا للقانون وأنه بسبب ذلك يعد كأنه لم ينجز أي أنه غير موجود قانونا، فإن النتيجة هي صحة محاضر البحث التمهيدي لأنها أنجزت دون أن يوضع المشبوه فيهم تحت الحراسة، والمحضر المحرر في هذه الحالة لا يعيبه شيء، وهكذا في كل حالة اكتفينا فيها باعتبار الإجراء المخالف للقانون لم يكن، وهي نتيجة لا نعتقد أن أحدا سلمها .” ويظهر أن ما ذهب إليه الخمليشي في مواقفه هاته لا يسمح به المنطق السليم ولم يسايره فيه بعض الفقه والقضاء ، ذلك أن انعدام إجراء الحراسة النظرية لا يعني أن المحضر لا يعيبه شيء و إنما يعني أن الإجراء نفسه – أي محضر الإستماع إلى الظنين- الذي أنجز على غير الشكل القانوني يعد في حكم العدم أو هو والعدم سواء (4).

وفي هدا السياق لابد أن نشير إلى ما نصت عليه المادة71 من قانون الدرك الملكي في فقرتها الأخيرة التي جاء فيها : « … وليس من الجائز أن تبطل المحاضربدعوى عيب في صيغتها . » وهدا يعني أن المحاضر التي تنجزها الضابطة القضائية التابعة للدرك الملكي لايمكن أن تبطل بسبب عيب في صيغتها أو صياغتها ، فقد وردت الترجمة العربية أكثر دقة مما ورد في النص الفرنسي الذي ينص على أنه لا يمكن أن تبطل المحاضر بدعوى عيب في شكلها: « ils ne peuvent être annulés sous prétexte de vice de forme » والعيب في الشكل ليس هو العيب في الصيغة ، وهكذا فالنص القانوني الوارد باللغة العربية يعتبر أكثر دقة وأكثر وضوحا من النص الوارد باللغة الفرنسية الدي هوالأصل ، لأن المقصود بالشكل شكل المحضر لا شكل الإجراءات القانونية ، ذلك أن شكل المحاضر التي تنجزها الضابطة القضائية لا يحدده أي نص قانوني ، بحيث يختلف من جهاز إلى جهاز آخر ومن إدارة إلى إدارة أخرى ومن مصلحة الى مصلحة أخرى ، وهكدا نجد المحاضر التي يحررها الدرك الملكي تختلف في شكلها عن المحاضر التي يحررها الأمن الوطني رغم أنها تصب في مكان واحد وتشرف على عملها مؤسسة واحدة هي مؤسسة النيابة العامة ، أما بالنسبة للإجراءات الشكلية الأخرى كطريقة وتدبيرإجراءات التفتيش أوالحجز أوالحراسة النظرية وغيرها فهي واحدة وموحدة بالنسبة لمختلف الأجهزة والمصالح والإدارات التي ينتمي إليها ضباط الشرطة القضائية ، حيث تنظمها وتحكمها مقتضيات قانونية واحدة هي مقتضيات قانون المسطرة الجنائية ويجب العمل بها واحترامها تحت طائلة البطلان المنصوص عليه في المادتين 63 -751 من قانون المسطرة الجنائية.

ونظرا لكثرة الإجراءات الشكلية وتشعبها في مجال عمل الضابطة القضائية وما قد يترتب عن هذه الإجراءات من عيوب وإخلالات ، فإن المشرع قد تعرض بالتنظيم لبعض تلك الإجراءات ورتب الجزاء على كل إخلال بأحكامها.

وسنقتصر من خلال هدا الموضوع على الحديث عن بعض من هذه الإجراءات نظرا لأهميتها وعلاقتها الوثيقة سواء بحرمة الأشخاص أوبحرمة المساكن والأماكن ،ويتعلق الأمر بإجراءات الحراسة النظرية والتفتيش والمعاينة وعدم التوقيع على المحضر ودلك على الشكل التالي :

 جزاء الإخلال بأحكام الوضع تحت الحراسة النظرية .

 جزاء الإخلال بأحكام التفتيش .

 جزاء الإخلال بأحكام المعاينة .

 جزاءعدم التوقيع على محضر الضابطة القضائية .

الفرع الأول : جزاء الإخلال بأحكام الوضع تحت الحراسة النظرية :

إدا كانت الحراسة النظرية هي التدبيرالذي تحتفظ بمقتضاه الضابطة القضائية رهن إشارتها أشخاصا مريبين أو مشتبه فيهم دون أن يكونوا محل تهمة بعد أو أمر بالتوقيف وذلك من أجل الحيلولة دون فرارهم أوتغييرهم معالم الجريمة أو إخفائها أو إدا اقتضت ضرورة البحث ذلك.

وإذا كانت مدة الإحتفاظ تحت الحراسة النظرية لا يمكن أن تتعدى 48 ساعة قابلة للتمديد ب 24 ساعة بالنسبة للحالات العادية أو 96 ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة إذا تعلق الأمر بالإخلال بسلامة الدولة الداخلية أو الخارجية، أو96 ساعة قابلة للتمديد مرتين اثنتين لمدة 96 ساعة في كل مرة بالنسبة للجرائم الإرهابية ، ودائما بعد إدن كتابي من النيابة العامة .

وإدا كان يحق لهؤلاء الأشخاص الدين ألقي عليهم القبض أو تم إيداعهم تحت تدابيرالحراسة النظرية أن يتم إخبارهم فورا من طرف الضابطة القضائية وبكيفية يفهمونها بدواعي اعتقالهم وبكافة حقوقهم ومن بينها حقهم في التزام الصمت ، والإستفادة من مساعدة قانونية ومن إمكانية الإتصال بأقربائهم ، والإتصال بمحامين بعد ترخيص من النيابة العامة لمدة لاتتجاوزثلاثين دقيقة تحت مراقبة ضابط الشرطة القضائية وفي ظروف تكفل سرية المقابلة .

وإذا كان من الواجب على الضابطة القضائية أن تمسك سجلا خاصا بالحراسة النظرية ترقم صفحاته وتديل بتوقيع وكيل الملك ، تقيد فيه هوية الشخص الموضوع تحت الحراسة وسبب وضعه وساعة بداية وساعة انتهاء الوضع ومدة الإستنطاق وأوقات الراحة والحالة الصحية والبدنية للشخص المدكور والتغذية المقدمة إليه.

وإذا كانت النيابة العامة هي من تتكفل بمراقبة الوضع تحت الحراسة النظرية ، وهي من تضع حدا لها أو تأمر بمثول الموضوع تحت الحراسة أمامها .

و إا كانت الضابطة القضائية ملزمة بأن تضمن في محضر سماع كل شخص وضع تحت الحراسة النظرية يوم وساعة ضبطه ، ويوم وساعة إطلاق سراحه أو تقديمه إلى القاضي المختص ، وتديل هذه البيانات إما بتوقيع أو إبصام المعني وإما بالإشارة إلى رفضه ذلك أو استحالته ، مع تضمين نفس البيانات في سجل الحراسة النظرية.

وإذا كان لابد للضابطة القضائية من إشعار عائلة المحتفظ به فور اتخاد قرار وضعه تحت الحراسة ، وتضمين ذلك بالمحضر، وأن توجه يوميا إلى النيابة العامة لائحة بالأشخاص الذين يتم وضعهم تحت الحراسة خلال 24 ساعة السالفة.

وإذا كان يجوز للضابطة القضائية إجراء تفتيش جسدي لكل شخص تم ايداعه تحت تدبير الحراسة النظرية ، وأن لا تقوم بتفتيش المرأة إلا إمرأة ضابطة أوأي إمرأة منتدبة من طرف ضابط الشرطة القضائية.

إذا كانت كل هذه الإجراءات والشكليات المنصوص عليها تباعا في المواد 66 و67 و68 و80 و81 و82 من قانون المسطرة الجنائية تكتسي طابع الوجوب والإلزام أحيانا والجواز والنهي أحيانا أخرى ، فما موقف القانونيين ومعهم القضاة والفقهاء في حالة الإخلال بهذه الشكليات؟ وما تأثير ذلك على الحجية القانونية لمحضر الضابطة القضائية ككل؟

المشرع المغربي لم يتعرض بنص خاص وصريح في قانون المسطرة الجنائية للجزاء المقرر نتيجة الإخلال بأحكام الوضع تحت الحراسة النظرية كما فعل بالنسبة للمادة 63 التي رتبت البطلان في حالة عدم العمل بالإجراءت المقررة في المواد 59 و60 و 62 و79 المتعلقة بالتفتيش والحجز واستدعاء بعض الأشخاص لسماعهم وليس من بين ذلك الإجراءات المتعلقة بالحراسة النظرية ، وقد نتج عن هذا خلاف في الفقه والقضاء.

فالمجلس الأعلى ( محكمة النقض حاليا ) وإن كان قد تردد في عدة قرارات(5) ففي قرارات أخرى نجده يؤكد بأنه : « لا يمكن الإعتماد على محضر الضابطة القضائية كوسيلة في الإثبات إذا تم تجاوز المدة القانونية للوضع تحت الحراسة النظرية ، وأكد أن البطلان مقرر لفائدة المتهم الذي عليه التمسك به أمام محاكم الموضوع وليس لأول مرة أمام المجلس الأعلى . » (6).

كما جاء في قرار آخر بأنه : « لما لا حظت المحكمة أن مدة حراسة المتهم النظرية، استغرقت أكثر من 96 ساعة المحددة قانونا ( 48 ساعة حاليا ) ، ورتبت على ذلك استبعاد محضر الضابطة القضائية ، ثم عادت وأدانت المتهم بناء على اعترافه الوارد في المحضر المذكور فإنها تكون قد بنت قضاءها على علل متناقضة ، مما يجعل حكمها ناقص التعليل ويوازي انعدامه . » (7)

نفس المنحى نحته غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالرباط في قرار صدر عنها بتاريخ 10 يونيو 1980 والذي جاء فيه : « أن المحضر المحرر من طرف الضابطة القضائية مع عدم احترام مدة الوضع تحت الحراسة ، لم يثبت إنجازه على الوجه القانوني ، ولذلك يجب اعتباره كأن لم ينجز ، عملا بمقتضيات الفصل 765 من قانون المسطرة الجنائية ( الفصل 751 حاليا ). »

فمن خلال قراءة متأنية لهده القرارات القضائية يتبين أن محضر الضابطة القضائية غالبا ما يتم استبعاده أو قد يكون مصيره البطلان في حالة عدم احترام مدة الوضع تحت الحراسة النظرية ، وهي شكلية من الشكليات التي وردت بالتفصيل في المواد 66 و67 و80 من قانون المسطرة الجنائية وسواء تعلق الأمر بحالات التلبس أو حالات البحث التمهيدي .

أما الفقه فيكاد يجمع على ضرورة التقيد بجميع الشكليات القانونية المتعلقة بالحراسة النظرية سواء من حيث المدة المقررة لها أو من حيث تمديدها أو من حيث إخبار الأظناء بدواعي وأسباب اعتقالهم وبكافة حقوقهم (8) ومنها حقهم في التزام الصمت وحقهم في الإستفادة من مساعدة قانونية أو قضائية أو الإتصال بمحام للدفاع عنهم أو إخبار عائلاتهم ودويهم فور اتخاد قرار وضعهم تحت الحراسة … ودلك اعتبارا لكون أحكام الوضع تحت الحراسة النظرية هي من النظام العام لأنها قد تمس بحقوق وحريات الأشخاص التي تكفلها القوانين والدساتير والمواثيق الوطنية والدولية (9) ،ومن ضمنها المادتان 22 و 23 من دستور المملكة المغربية حيث لايجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية للشخص أو معاملته معاملة لاإنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة أو تعريضه لكافة أشكال وصنوف الإعتقال و التعديب ، واستنادا كدلك إلى أحكام المادة 751 من قانون المسطرة الجنائية المغربي التي ترتب البطلان على كل خرق للإجراءات التي يأمر بها القانون ، إذ ليس من المعقول ولا المنطقي أن يقرر المشرع عدة إجراءات دون أن يقرنها بجزاء ، وإدا غاب الجزاء فقد الإجراء القانوني قيمته وفتحت الأبواب للتلاعبات والتجاوزات والمس بالحقوق والحريات المتعلقة بالأفراد والجماعات . وإدا كان هدا الكلام يصدق على إجراءات الحراسة النظرية ، فما موقف القانون في حالة الإخلال بإجراءات التفتيش ؟

الفرع الثاني : جزاء الإخلال بأحكام التفتيش :

إذا كانت المادة 59 من قانون المسطرة الجنائية قد خولت لضابط الشرطة القضائية الحق في الإنتقال فورا إلى المنزل مسرح الجريمة حيث تتواجد كافة الإثباتات من مستندات وأشياء لها علاقة بالأفعال الجرمية ليجري تفتيشا بشأنها ، وإحصاء المحجوزات والختم عليها بحضورالأشخاص الدين حضروا عملية التفتيش والحجز وتحريرمحضر يتضمن جميع العمليات .

و إذا كان من الواجب على ضابط الشرطة القضائية إذا وقع التفتيش في أماكن يشغلها شخص يلزمه القانون بكتمان السر المهني ، أن يشعر النيابة العامة المختصة ، ويتخذ مسبقا جميع التدابير اللازمة لضمان احترام ذلك السر (10).

وإذا كان من الواجب على ضابط الشرطة القضائية إذا تعلق الأمر بتفتيش منزل شخص يشتبه في مشاركته في الجريمة ، أن يقوم بالتفتيش بحضور هذا الشخص أو ممثل عنه أوإذا تعذر ذلك أن يستدعي لحضور عملية التفتيش شاهدين أجنبيين عن الموظفين الخاضعين لسلطتـه.

وإذا كان من الواجب على ضابط الشرطة القضائية إذا تعلق الأمر بتفتيش منزل شخص آخر يحتمل أن يكون حائزا مستندات أو أشياء تتعلق بالأفعال الإجرامية ، أن يجري تفتيشه بحضورهدا الشخص وإدا تعذر ذلك وجب أن يتم التفتيش وفق نفس المسطرة السابقة .

وإذا كان من الممكن لضابط الشرطة القضائية استدعاء أي شخص لسماعه ، إدا تبين له أن بوسع هذا الشخص أن يمده بمعلومات حول الأفعال أو الأشياء أو الوثائق أو المستندات المحجوزة ، وأن يرغمه على الحضور في حالة امتناعه بعد إدن النيابة العامة.

وإذا كان يتعين على الضابطة القضائية في حالة تفتيش نساء أن يتم تفتيشهن من طرف نساء ضابطات للشرطة القضائية أو نساء يتم انتدابهن لهذا الغرض في حالة عدم وجود ضابطات.

وإذا كانت محاضر التفتيش والحجز المحررة من طرف ضباط الشرطة القضائية تستلزم توقيعها من طرف كل الأشخاص الذين جرى التفتيش بمنازلهم أو ممثليهم أو الشهود ، أو يشار إلى امتناعهم عن التوقيع أو الإبصام أو تعذر ذلك.

وإذا كان كل إبلاغ أو إفشاء لوثيقة وقع الحصول عليها من عملية التفتيش إلى شخص ليست له صلاحية الإطلاع عليها قانونا ، يتم دون موافقة المشتبه فيه أو دوي حقوقه أو الموقع على الوثيقة أو ممن وجهت إليه ، ولو كان ذلك لفائدة البحث ، يعاقب عليه بالحبس والغرامة.

وإذا كان من الواجب على ضابط الشرطة القضائية أن يتقيد بالوقت المحدد لإجراء التفتيش حيث لا تفتيش بعد التاسعة ليلا و قبل السادسة صباحا ، اللهم إلا إذا طلب ذلك رب المنزل أو نزولا عند استغاثة صدرت من داخله أو كانت هناك أحوال استثنائية قررها القانون ، أو تم الشروع في التفتيش قبل التاسعة ليلا ولم ينتهي واستمرإلى ما بعد التاسعة ليلا ، دون أن تشمل هده المقتضيات إجراء التفتيش في محلات يمارس فيها عمل أونشاط ليلي بصفة معتادة .
وإدا كان من الممكن إدا تعلق الأمر بجريمة إرهابية واقتضت ذلك ضرورة البحث أو حالة الإستعجال القصوى أو إذا كان يخشى اندثار الأدلة ، الشروع في تفتيش المنازل أو معاينتها بصفة اسثنائية بعد الساعة التاسعة ليلا أو قبل السادسة صباحا بعد إن كتابي من النيابة العامة.

وإذا كان من غير الممكن لضابط الشرطة القضائية في حالة البحث التمهيدي الدخول إلى المنازل وتفتيشها وحجز ما بها من أدوات الإقتناع دون موافقة صريحة من الأشخاص الدين ستجري العمليات بمنازلهم (11).

إداذا كانت كل هده المقتضيات الشكلية الواردة على التوالي بالمواد 59-60-61-62 و79 من قانون المسطرة الجنائية تتراوح مابين الوجوب والإلزام والممكن وغير الممكن، وسواء في الأحوال العادية أو في حالات التلبس ، فإن المادة 63 من نفس القانون جاءت صريحة هده المرة وجد واضحة فيما يخص ترتيب البطلان عند عدم العمل بتلك الإجراءات أو عدم التقيد بها أو عدم احترامها ، وبالتالي فلا مجال لأي اجتهاد أو تأويل والنص موجود .

وعملا بذلك فإنه يمكن تجميع الأحكام سالفة الذكر في الموجبات التالية :

 يجب أن يتولى التفتيش ضابط يحمل صفة الضبطية القضائية.

 ضرورة الحفاظ على السر المهني.

 ضرورة احترام أوقات التفتيش كما هي محددة في القانون.

 ضرورة حضور بعض الأشخاص خلال التفتيش سواء كانوا هم الأظناء أو الغير.

 ضرورة تحرير محضر بالتفتيش وحفظ المحجوزات.

وذده الموجبات يجب احترامها والعمل بها لزوما وإلا فسيترتب عن عدمها البطلان كما جاء بصريح العبارة في المادة 63 من قانون المسطرة الجنائية ، وقد أحسن المشرع صنعا، بالنص صراحة على البطلان وذلك لقطع دابر الجدل الذي قد يحيط بالموضوع ، وهو الموقف الذي كان على المشرع أن يقفه صراحة من خرق أحكام الوضع تحت الحراسة النظرية.

وعلى سبيل التنوير كان لابد أن نشير إلى قرار وجيه صدر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 10 يناير 2017 جاء فيه : « حضور أشخاص ( صحفيين ) لعمليات التفتيش وتوثيقهم لمجرياتها بالصوت أوبالصورة يعتبر خرقا لسرية البحث ويمس بالضرورة مصالح الشخص المعني ويجعل الإجراء باطلا . الأمر يتعلق بصحافيين يقومون بتحقيق صحفي حول عمل الشرطة ، وفي إطار تصوير التحقيق سمح لهم عناصر الشرطة بحضور عمليات التفتيش التي قاموا بها والتي ترتب عنها حجز بعض الوثائق التي اعتبرت أدلة وقدمت في مسطرة جارية ، وقد قامت بعد دلك وسائل الإعلام ببث تلك التسجيلات وعرضها في برامج تلفزيونية . محكمة النقض اعتبرت حضور أشخاص غرباء عن المسطرة ، ولو بإدن من الشرطة ، لمجريات التفتيش والحجز خرقا لسرية البحث والتحقيق ، كما اعتبرت هدا الخرق يمس بالضرورة بحقوق المعني بالأمر دون الحاجة لإثبات وقوع ضرر فعلي (12).
وإدا كانت المادة 63 من قانون المسطة الجنائية صريحة وواضحة في تنصيصها على البطلان إدا ما تم الإخلال بأحكام التفتيش ، فما مصير محاضر المعاينات في حالة أي إخلال بأحكامها ؟

الفرع الثالث : جزاء الإخلال بأحكام المعاينة :

إذا كان من الواجب على ضابط الشرطة القضائية الذي أشعر بحالة تلبس بجناية أو جنحة أن يخبر بها النيابة العامة فورا ، ثم ينتقل في الحال إلى مكان ارتكابها لإجراء المعاينات المفيدة ، وأن يحافظ على الأدلة القابلة للإندثار وكل ما يمكن أن يساعد على إظهار الحقيقة ، وأن يحجزالأسلحة والأدوات التي استعملت في ارتكاب الجريمة أو التي كانت معدة لارتكابها وجميع ما يكون قد ترتب عن هذه الجريمة قصد الإعتراف بها ، وأن يقوم عند الإقتضاء بأخد البصمات من مكان ارتكاب الجريمة وإجراء الخبرات اللازمة.

وإذا كان يمنع على كل شخص غير مؤهل قانونا أن يغير حالة المكان الذي وقعت فيه الجريمة أو يقوم بإزالة أي شيء منه إلى حين حضور ضابط الشرطة القضائية وشروعه في القيام بمعايناته ، تحت طائلة عقوبات مالية و حبسية بحسب الحالات ، ما عدا إذا كانت التغييرات والإزالات تفرضها ضرورة المحافظة على السلامة أو الصحة العمومية أو تقديم الإسعافات للضحايا.

إذا كانت هذه الأحكام الواردة بالمادتين 57 و58 من قانون المسطرة الجنائية تستعمل صيغتين اثنتين هما صيغة الوجوب اتجاه ضابط الشرطة القضائية الذي تم إشعاره بجناية أو جنحة متلبس بها وانتقل فورا إلى مسرح الجريمة قصد القيام بالمعاينات والتحريات اللازمة ، وصيغة المنع في حق كل شخص غير مؤهل من الناحية القانونية من أجل إحداث تغييرات أو إزالات بمسرح الجريمة إلى حين حضور الضابطة القضائية وشروعها في القيام بعملها.

فإدا كانت الحالة الأولى تستدعي من الرؤساء القضائيين لضابط الشرطة إصدار أوامرهم لهدا الأخير قصد الإمتثال لمقتضيات المادة 57 المشار إليها وإلا كان مصير محضر المعاينة المنجز في هدا الشأن البطلان وفق ما هو منصوص عليه في المادة 751 من قانون المسطرة الجنائية التي جاء فيها بأن كل إجراء يأمر به هدا القانون ولم يثبت إنجازه على الوجه القانوني يعد كأنه لم ينجز.

فإن الحالة الثانية قد حسم فيها المشرع ورتب عليها غرامة من 1200 إلى 10000 درهم في حالة إحداث تغييرات بالمكان الدي وقعت فيه الجريمة أو إزالة بعض الأشياء منه قبل قيام ضابط الشرطة القضائية بالمعاينة القانونية ، وقد ترفع العقوبة إلى الحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاثة سنوات وغرامة من 3000 إلى 12000 درهم إدا كان القصد من محو الآثار أو إزالة الأشياء هو عرقلة سير العدالة.

أما عن موقف القضاء من المسألة فقد جاء في قرار صادر عن محكمة الإستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 20 شتنبر 1990 ملف جنحي عدد 8403/9207/90 : « إذا كان محضر معاينة السكر يشير إلى أن الظنين ضبط في حالة سكر بين دون أن يشيرإلى مكان ضبطه للتأكد من العلنية فإن شرط العلنية يكون مشكوكا فيه.

إدا لم يشر المحضر إلى علامات حالة السكر الطافح “ البين” كحالة التمايل أو الترنح أو البداءة في القول أو التلعثم فيه وما إلى دلك ، فإن تهمة السكر البين تكون غير ثابتة.

إن شرب الخمر غير محرم قانونا مادام لم يصل إلى حد الثمالة … »
وعليه فإن محضر المعاينة وحتى يكون صحيحا ويعتد به يجب أن تتوافر فيه جميع الشكليات من وصف دقيق لمكان وقوع الجريمة ولحالة المجرم وللوسائل والآلات والأشياء المستعملة في الجريمة ، ونقل الوقائع والأحداث والمشاهد المحيطة بدلك بكل موضوعية وتجرد ومسؤولية ونكران دات .

الفرع الرابع : جزاء عدم التوقيع على محضر الضابطة القضائية :

يعرف التوقيع بأنه الإسم أو العلامة التي توضع أسفل الكتاب للإشهاد على صحة مضمونه أوللإشهاد على صحة ما كتب في صلب الوثيقة ، فالكاتب يوقع على ما كتبه أي يشهد أنه صحيح وأنه لايتراجع عنه ، وهكدا فالموقع يجب أن يكون عارفا للكتابة والقراءة أي أنه غير أمي إد يكون إمضاؤه في أسفل الوثيقة عبارة عن علامة معينة أو كتابة اسمه أو حروف مميزة وهدا ما يعبر عنه بخط اليد ، أما الموقع الأمي أي الدي لايعرف الكتابة والقراءة فإنه بدوره يوقع على ما لم يكتبه بيده ولايستطيع قراءته إد يكتفي بوضع علامة في أسفل الوثيقة لايعرف إلا سواها أو يبصم بإبهامه (13)
وفي هدا الصدد فإن محضر الضابطة القضائية باعتباره وثيقة تتضمن نقلا وسردا لمجموعة من الوقائع والأحداث والعمليات والتصريحات ، لايمكن للعدالة أن تتعامل معه إلا إدا كان موقعا عليه من طرف محرره أو منجزه بالإضافة إلى توقيع أو بصمة المصرح أو رفضه دلك أو عدم استطاعته.

ونظرا لأهمية التوقيع أو البصمة من هدا الطرف أو داك فقد تعرض إليه قانون المسطرة الجنائية في مواده 24-60-67-69 ودلك على الشكل التالي :

جاء في المادة 24 ما يلي : “… دون الإخلال بالبيانات المشار إليها في مواد أخرى من هدا القانون أو في نصوص خاصة أخرى ، يتضمن المحضر خاصة اسم محرره وصفته ومكان عمله وتوقيعه … يوقع المصرح إلى جانب ضابط الشرطة القضائية على المحضرعقب التصريحات وبعد الإضافات ويدون اسمه بخط يده . وإدا كان لايحسن الكتابة أو التوقيع يضع بصمته ويشار إلى دلك في المحضر… يتضمن المحضر كدلك الإشارة إلى رفض التوقيع أو الإبصام أو عدم استطاعته، مع بيان أسباب ذلك”

وجاء في الفقرة الأخيرة من المادة 60 المتعلقة بعمليات التفتيش في حالة التلبس بالجنايات والجنح : « توقع محاضر العمليات من طرف الأشخاص الدين أجري التفتيش بمنازلهم أو من يمثلهم أو الشاهدين ، أو يشارفي المحضر إلى امتناعهم عن التوقيع أو الإبصام أو تعدره . »
وجاء في الفقرة الأولى من المادة 67 المتعلقة بمحضر السماع : « يجب على كل ضابط من ضباط الشرطة القضائية أن يبين في محضر سماع أي شخص وضع تحت الحراسة النظرية ، يوم وساعة ضبطه ، ويوم وساعة إطلاق سراحه أو تقديمه إلى القاضي المختص . يجب أن تديل هده البيانات ، إما بتوقيع الشخص المعني بالأمر أو بإبصامه أو بالإشارة إلى رفضه دلك أو استحالته مع بيان أسباب الرفض أو الإستحالة . »

وجاء في المادة 69 المتعلقة بجميع المحاضر المنجزة في حالات التلبس بالجنح والجنايات : « يحرر ضابط الشرطة القضائية فورا المحاضر التي أنجزها تنفيدا للمادة 57 وما بعدها إلى المادة 67 ويوقع على كل ورقة من أوراقها . »

الملاحظ أن الصيغ التي وردت بها هده المقتضيات تفيد أن مسألة التوقيع على محضر الضابطة القضائية تبقى اختيارية بالنسبة للأظناء والمشتبه فيهم وغير مقرونة بجزاء في حالة الإخلال بأحكامها ، مما فسح المجال أمام تضارب في المواقف القضائية ما بين المحاكم الدنيا التي طبقت المادة 751 من قانون المسطرة الجنائية تطبيقا سليما وبين محكمة النقض التي دهبت في العديد من قراراتها إلى أن عدم إمضاء المشبوه فيه على محضر البحث التمهيدي لا يؤثر في صحته وفي قوته الثبوتية (14) ، حيث ورد في إحدى قراراتها أن : « عدم إمضاء المشتبه فيه على محضر استجوابه لا يعتبر من الشروط الشكلية التي تؤثر على قانونية المحضر وعلى قوته الإثباتية. » (15)
وجاء في قرار آخر تحت عدد 306 صادر بتاريخ 05 فبراير 1962 ما يلي : « عدم توقيع إمضاء المشتبه فيه على محضر البحث التمهيدي لا يؤثر على القوة الثبوتية التي يحوزها ،وبمفهوم المخالفة صحت المحضر ولو لم يتضمن توقيع المتهم أوبصمته…ولا تعتبر توقيعات المتهمين ضرورة لصحة المحضر..» (16)

موقف محكمة النقض المغربية هدا لايستقيم والصحوة التي تعرفها حقوق الإنسان وطنيا وإقليميا ودوليا ، كما أنه لا يتماشى ومقتضيات المادة 751 من قانون المسطرة الجنائية التي ترتب البطلان في حالة الإخلال بأي إجراء من الإجراءات المنصوص عليها في القانون ، ومن تم فإنه لايمكن الركون إلى المحاضر إلا إدا احترمت هده الإجراءات وعملت بها درءا لكل إجراء تعسفي أو مس بالحقوق والحريات.

أما بالنسبة لضباط الشرطة القضائية فهم ملزمون بتوقيع محاضرهم وفق ما هو منصوص عليه في المواد آنفة الدكر ، وإدا حدث أن كانت هده المحاضر غير موقعة أو سقط التوقيع سهوا فإن النيابة العامة بصفة أعضائها ضباطا سامين للشرطة القضائية وهم من يسير ويشرف على أعمال الشرطة القضائية أن تعطي أوامرها أو تستدعي ضباط الشرطة القضائية المعنيين من أجل تدارك الأمروتوقيع محاضرهم التي وجهوها إليها حتى لاتكون معيبة أو تتعرض للبطلان (17).

ومع دلك فالتوقيع على محضر الضابطة القضائية من طرف الظنين أو المشتبه فيه ، يبقى مجرد شهادة منه على وقائع معينة ليس غير ، وليس من الضرورات التي لابد منها لإضفاء صبغة القوة أو الصحة على المحضر المدكور ، بعكس توقيع ضابط الشرطة القضائية محرر المحضر الدي يعتبر مسألة جوهرية وضرورية لصحة وسلامة المحضر ، ولو أن النيابة العامة لايمكن أن تتعامل مع محضر غير موقع من لدن محرره .
ومهما تعددت المواقف والآراء فالقضاء وبما يملكه من سلطة تقديرية في الموضوع يمكنه ترتيب بطلان أو صحة محضر الضابطة القضائية الدي يفتقر إلى التوقيع أو الإمضاء أو الإبصام أو غير دلك من الإجراءات الأخرى.

وفي الأخير لابد من الإشارة إلى القرار الوجيه الصادر عن محكمة النقض المغربية تحت عدد 53 بتاريخ 16يناير2008 ملف عدد 354/5/1/2007 الدي ورد فيه ما يلي : « إن محاضر الضابطة القضائية وإن كانت لا تعتبر حجة بما ورد فيها إلا في الميدان الزجري ، فإنها يمكن أن تعتمد كقرينة قضائية في الإثبات في المادة المدنية . »

مسك الختام

إن دور الضابطة القضائية يقتصر على النقل بتجرد ومسؤولية لكل ما تعاينه أوتشاهده أو تسمعه وتترك التأويل والإستنتاج للسلطة القضائية ، ويتم هذا النقل بواسطة محاضر مضمنة بصدق ووفاء، على أن إنشاء هذه المحاضر كما جاء في المادة 73 من قانون الدرك الملكي يجب أن يكون واضحا دقيقا وأن يكون عبارة عن بيان للوقائع مجردا عن كل حادث أو تأويل خارج عن الموضوع.

وعلى العموم تبقى الضابطة القضائية الشبح المخيف بالنسبة للجميع – خاصة في المجتمعات المتخلفة حيث أغلب الأظناء أميين أو جهلاء وعدد كبير منهم ينكر عن حق في بعض الأحيان تصريحاته الشيء الذي يمكن التساؤل معه كيف يتأتى لشخص استمع إليه داخل مركز للدرك أو الشرطة رأسا لرأس مع الضابط المختص أن يثبت أمام المحكمة أن التصريح المدون بالمحضر لم يصدر عنه فحتى مسطرة الطعن بالزور سوف لن تكون مجدية لأنه يستحيل على الظنين أو المشتبه فيه إثبات أقواله.

 

إن المحاكم غالبا ما تأخذ بالتصريحات الواردة بمحاضرالضابطة القضائية ، سيما تلك المتعلقة بالجنح والمخالفات لأن ضابط الشرطة القضائية الذي تلقاها وحررها موظف عمومي مختص ومحلف ولكون الظنين أو المصرح مجرد شخص عادي غالبا ما يحاول إخفاء الحقائق أوالتملص من مسؤوليته عن طريق خلق روايات مصطنعة أو خيالية أو لاتمت للواقع بصلة.

ومهما قيل فمحاضر الضابطة القضائية ليست محل إنكار دائما، ذلك أن هذه الأخيرة تتوفر على إمكانيات بشرية ومادية ولوجيستيكية تؤهلها لأن تجمع العديد من المعلومات وتقوم بجميع الأبحاث والتحريات وتلقي الإفادات عن المجرم والجريمة ، يساعدها في ذلك سرعة التحرك، الشيء الذي يجعلها أقدر على اكتشاف الحقيقة أوعلى الأقل إنارة الطريق نحو ذلك وتسهيل مهمة العدالة.

وتبقى أخلاق وضمائر القائمين بالأمر، هي وحدها المعول عليها في الحفاظ على المشروعية ورعاية حقوق الأفراد وحقوق المجتمع ، ذلك أن القوانين ليست سوى أدوات، وعلى الذي يستعملها أن يستفتي في ذلك ضميره وأخلاقه ومسؤوليته الإنسانية قبل المسؤولية القانونية.

هوامش:

1 – شرح قانون المسطرة الجنائية الجزء الأول ، الدكتور أحمد الخمليشي، الصفحة 259.

2 – ورد شرح حرف ” كأن ” في قاموس لاروس La rousse العربي على الشكل التالي : كأن : حرف ينصب الإسم ويرفع الخبر ويفيد التشبيه ، كأن زيدا أسد.

وجاء في لسان العرب لإبن منظور”كأن” حرف تشبيه إنما هو” أن” دخلت عليها الكاف … فالكاف هنا تشبيه صريح وهي متعلقة بمحدوف فكأنك قلت : كأن زيدا عمرو إنما هو إن زيدا كعمرو أو إن زيدا كائن كعمرو… فلما أدخلوها – أي الكاف – على “إن” من قبلها وجب فتح “إن” لأن المكسورة لا يتقدمها حرف الجر ولا تقع إلا أولا أبدا . الصفحة 179.

3 – مؤلف “ عمل الضابطة القضائية بالمغرب” : لحسن البوعيسي .

4 – جاء في حكم صادر عن المحكمة الإبتدائية بمدينة ميدلت تحت عدد 2466 في الملف الجنحي التلبسي عدد 2017/2467 بتاريخ 26-01-2017 ما يلي : « حيث دفع دفاع المتهمين بخرق مقتضيات المادة 23 من الدستور والفقرة الثانية من المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية
… وحيث أن المحكمة بإطلاعها على محاضر الإستماع يتبين لها صحة ما نعاه دفاعهما من كون الضابط محرر المحضر تقاعس فعلا عن إخبار المتهمين بالحقوق المكفولة لهما بمقتضى المادة 66
… وحيث اقتنعت المحكمة بوجاهة الدفع الدي قدمه دفاع المتهمين ، مما يتعين معه التصريح ببطلان محاضر الشرطة المتعلقة بالإستماع للمتهمين . »

5 – قرار عدد 2461 صادربتاريخ 23 مارس 1986 ،مجلة القضاء والقانون ،عدد 138 ،الصفحة 279. يقضي بأن الوضع تحت الحراسة لا يترتب عنه البطلان ولو بلغت المدة سنة.

6 – قرار عدد 353 بتاريخ 06 مارس 1961، قضاء المجلس الأعلى ، الصفحة : 183.

7 – قرار عدد 3947 بتاريخ 14 يوليوز 1972، قضاء المجلس الأعلى.

8 – في حكم صدر عن المحكمة الإدارية بالرباط رقم 5588 ملف عدد 2017/1169/7112 بتاريخ 15-12-2017 ، أقر حق متقاضية في التعويض عن الضرر اللاحق بها نتيجة خطإ قضائي للضابطة القضائية وللنيابة العامة أدى إلى تفويت فرصة عليها ، حيث كانت ضحية حادثة سير واستمعت إليها الضابطة القضائية في محضر قانوني ولم تشعرها بحقها في المطالبة بالحق المدني ، مما حرمها من الإمتيازات التي تتيحها الدعوى المدنية التابعة من قبيل الإعفاء من الرسوم القضائية وعدم إلزامية تنصيب محام ، حيث استجابت لها المحكمة وقضت لها بتعويض قدره 10000 درهم معللة حكمها بكون المحضر يبين أن المعنية كانت ضحية لحادثة سير وأن الضابطة القضائية استمعت إليها دون إشعارها بحقها المشار إليه أعلاه.

9 – لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أوصت بتاريخ 05 يناير1962 بأنه لايجبر أحد على الشهادة على نفسه ويجب قبل سؤال أو استجواب كل شخص مقبوض عليه أو محبوس أن يحاط علما بحقه في التزام الصمت.

– المؤتمر الدولي السادس لقانون العقوبات المنعقد برومانيا سنة 1953 أو صى قبل دلك بأن المتهم لا يجبر على الإجابة ، فهو حر في اختيار الطريق الدي يسلكه ويراه محققا لمصلحته.

10 – جاء في الفقرة الأولى من الفصل 56 من قانون الدرك الملكي : « يتحتم على الدرك أن يحفظ السر المهني فيما يتعلق بالأعمال التي يقوم بها وبالأخبار التي يتلقاها »

11- جاء في المادة 57 من قانون الدراك الملكي : « يعتبر اقتحام الدرك لمساكن خصوصية شططا في استعمال السلطة ما عدا في الحالات التالية:

 يجوز له دخولها في كل وقت و آن وبرضى رب المنزل أو بأمر السلطة العسكرية في حالة الحكم العسكري أو في الحالة التي يقررها القانون بصفة صريحة .

 يجوز له عند اقتراف جريمة بينة دخول هده المساكن نهارا في الأحوال المنصوص صريحا عليها في القانون أو بموجب إنابة قضائية أصدرتها السلطة دات انظر .

 لا يجوز له دخول تلك المنازل ليلا إلا في الأحوال المنصوص عليها في الفقرة الأولى وفي حالة حريق أو فيضان أو استغاثة من داخلها ومدة الليل يحددها القانون . »

12- عن الموقع الإلكتروني لمجلة قانون الأعمال التي تصدرها كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية بسطات.

13 –انظر مقال “ تصحيح الإمضاء أو إثبات صحة خط اليد “ لكاتبه محمد الطيب بوطيبي ، المنشور بجريدة الأحداث المغربية عدد 492 بتاريخ 19 ماي 2000 ركن عدالة الصفحة 8.

14- بعض مواقف القضاء من إشكالية التوقيع على محضر الضابطة القضائية ، حسن هوداية ، جريدة العلم بتاريخ 25 غشت 1993.

15 – قرار عدد 1042 صادر بتاريخ 12 يوليوز 1973.

16 – انظر مقالنا تحت عنوان “ محضر الضابطة القضائية : عيوب الشكل والجزاءات المترتبة عليها المنشور بجريدة الأحداث المغربية عدد 409 بتاريخ 11 فبراير 2000 ،ركن عدالة ،الصفحة 6.

17 – ورد في المادة76 من قانون الدرك الملكي أنه : « يمكن استفسار رجال الدرك لتأييد محاضرهم . »
انتهى

 

 

 

 

 

 

الاخبار العاجلة