ما هكذا تخلد أسماء الآباء!

23 يونيو 2024آخر تحديث : الأحد 23 يونيو 2024 - 9:49 صباحًا
admintest
كتاب وآراء
ما هكذا تخلد أسماء الآباء!

من غرائب الأمور أن يستمر في وقتنا الراهن بعض مدبري الشأن العام ببلادنا، في استفزاز المواطنات والمواطنين عبر ما يقدمون عليه من ممارسات شاذة، ويتخذونه من قرارات عشوائية أمام مرأى ومسمع من الجميع، كما هو حال أحد رؤساء المقاطعات الذي أبى إلا أن يتيح الفرصة من جديد ل”عبقريته” التي أوصلته إلى اعتلاء كرسي الرئاسة، في أن تقوده إلى محاولة تخليد اسم والده على أحد الشوارع الكبرى التابعة لتراب مقاطعته، الذي ظل يحمل اسم شخصية تاريخية بارزة لسنوات، دون أدنى احترام للمشاعر الإنسانية والمساطر القانونية.
فخلال دورته العادية لشهر يونيو الجاري، التي انعقدت يوم الجمعة 7 يونيو 2024 متضمنة في جدول أعمالها نقطة واحدة تتعلق بتسمية الأزقة والشوارع بمقاطعة المرينيين بالعاصمة العلمية فاس، وفي سابقة تعد هي الأولى من نوعها في تاريخ المغرب المعاصر، صادق مجلس المقاطعة على سحب اسم “يوسف بن تاشفين” من على أحد الشوارع وتعويضه باسم الوالد المتوفي “أحمد حجوبي” لرئيس المجلس، بدعوى أنه تم اقتراحه من قبل المندوبية الجهوية للمقاومة وجيش التحرير، لكونه كان أحد المقاومين…
وهو القرار الذي أثار ضجة صاخبة وردود فعل غاضبة ليس فقط على المستوى المحلي، بل حتى على الصعيد الوطني، حيث ارتفعت أصوات الاستنكار والتنديد به. واعتبرته عديد الفعاليات المدنية والسياسية والحقوقية قرارا استفزازيا ومنافيا للقانون وفيه استغلال للسلطة من طرف رئيس مقاطعة المرينيين خالد حجوبي البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، الذي لم يجد من وسيلة للتملص من مسؤوليته، عدا الإنكار والقول بأن الأمر مجرد مغالطات وافتراءات تندرج في إطار تصفية حسابات من طرف خصومه السياسيين. إذ أوضح المجلس في بلاغ رسمي أن النقطة التي كانت مدرجة في جدول أعمال دورة يونيو، والمتعلقة بإطلاق أسماء بعض رموز الحركة الوطنية للمقاومة وجيش التحرير على الساحات والأزقة والشوارع التابعة لنفوذ مقاطعة المرينيين، جاءت بطلب من المندوبية السامية للمقاومة وجيش التحرير بجهة فاس مكناس، مؤكدا بأن جميع الشوارع والأزقة التي تحمل أسماء ذات رمزية كبيرة لدى المغاربة، لم يطل تسميتها أي تبديل بأسماء مقاومين وطنيين مغاربة ومنهم والد رئيس المقاطعة.
فالجدير بالذكر هنا في هذا السياق ووفق ما يراه بعض المهتمين بالشأن العام والباحثين الحقوقيين ببلادنا، هو أن تسمية الساحات والأزقة والشوارع العمومية لا تخضع لأمزجة رؤساء المقاطعات ومكاتبهم. وأنه حتى وإن كان يمثل اختصاصا ترابيا خوله المشرع لمجالس الجماعات في الظهير المتعلق بالتنظيم الجماعي الصادر في تاريخ 23 يونيو 1960، فإن المشرع أخضع ممارسة هذا الاختصاص لمراقبة وزارة الداخلية، وأن هذه الأخيرة وبناء على تراكم الاختلالات والنواقص في ممارسة المجالس التداولية لمصالحها في مجال تسمية الأزقة والشوارع والساحات العمومية، عملت منذ سنة 1977 على إصدار العديد من الدوريات لتوضيح كيفية ممارسة هذا الاختصاص.
ثم إن ما تغافل عنه رئيس مقاطعة المرينيين الذي يدعي غيابه أثناء مصادقة المجلس على تغيير اسم أحد الشوارع الذي كان يسمى “يوسف بن تاشفين” باسم والده المتوفي “أحمد حجوبي”، هو أنها وحدها أعمال الأشخاص وما قدموه من خدمات وتضحيات لصالح الوطن وأبنائه هي من تخلد أسماءهم وليس سلطة ونفوذ أبنائهم. ثم إن تسمية الأزقة والشوارع والساحات العمومية من اختصاص المجلس التداولي برمته، يمارسه بمقرر جماعي، وليس اختصاصا حصريا لرئيس المجلس، مما يعني أن إطلاق التسميات يمر وجوبا عبر مداولات المجلس الجماعي خلال دوراته المنصوص عليها في القانون الجاري به العمل.
إن على من يريد أن يطلق اسما من رموز الحركة الوطنية للمقاومة وغيرها من الشخصيات التاريخية البارزة، أن يكون اختياره معللا ولا يستند إلى دوافع شخصية أو مرتبطا باستغلال مواقع النفوذ والامتياز. وألا يتجاهل ما ورد في المادة 235 من القانون التنظيمي 14.113 التي تعطي المقاطعة الحق فقط في تقديم اقتراحات في مجال تسمية الطرق والساحات والشوارع داخل ترابها ورفعها لمجلس الجماعة، الذي خول له القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات هذه الصلاحية، ولاسيما المادة 92 منه.
فرئيس مقاطعة المرينيين ليس وحده من أقدم على مثل هذه التصرف الهجين والمنافي للقانون، بل هناك العشرات من رؤساء المصالح ورؤساء المجالس الجماعية وغيرهم من المسؤولين، الذين دأبوا على تدبير الشأن العام بنفس الأسلوب من العبث، لا يأبهون بقضايا وانشغالات المواطنين بقدر ما ينشغلون بمصالحهم الشخصية والعائلية والحزبية الضيقة، كما لا يكترثون بالمشاكل المتفاقمة من حولهم وتدني الخدمات على عدة مستويات. لذلك لجأ بعض الحقوقيين إلى مطالبة وزير الداخلية بالتدخل وإجراء بحث دقيق حول واقعة تسمية شارع باسم والد رئيس مقاطعة المرينيين، وترتيب الجزاءات القانونية، ومنها إصدار تعليمات إلى عامل المدينة لاتخاذ القرار الأنسب في حق المعني بالأمر أمام المحكمة الإدارية.
اسماعيل الحلوتي

الاخبار العاجلة