ما الهدف من استمارة وزارة بنموسى؟!

1 يونيو 2022آخر تحديث : الأربعاء 1 يونيو 2022 - 8:00 صباحًا
admintest
كتاب وآراء
ما الهدف من استمارة وزارة بنموسى؟!

من بين المفارقات الغريبة التي لا نعثر لها على مثيل في بلد آخر غير المغرب، باعتباره بلد الاستثناء كما يحلو للبعض أن يصفه، أنه بعد أزيد من خمسة عقود من استنزاف الكثير من الجهد والميزانيات المالية الضخمة من أموال دافعي الضرائب، في محاولات إصلاح وإعادة إصلاح منظومة التربية والتعليم، وما تطلبه الأمر من استيراد البرامج وإعداد المخططات الاستعجالية، بدعوى السعي نحو إحداث نهضة تربوية تجعل المدرسة المغربية ذات جاذبية، لتكون في مستوى تطلعات الجماهير الشعبية وتستجيب لانتظاراتها.
إذ أنه بعد الشروع في تفعيل الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015/2030 التي سبق للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أن سارع إلى بلورتها قصد إرساء مدرسة وطنية حديثة قوامها الإنصاف والجودة وتكافؤ الفرص. مدرسة تكون في صلب المشروع المجتمعي، قادرة على الاضطلاع بأدوارها في ضمان حق التربية والتعليم للجميع، خلق مواطن الغد وصقل مواهبه، تنمية معارفه والارتقاء بقدراته، حتى يساهم بفعالية في تحقيق أهداف التنمية البشرية والمستدامة.
وبعد صدور التقرير العام للجنة النموذج التنموي الجديد، التي أسند ملك البلاد محمد السادس مهمة رئاستها لسفير المغرب بالعاصمة الفرنسية باريس سابقا، ووزير التربية الوطني والتعليم الأولي والرياضة حاليا شكيب بنموسى. التقرير الذي كشف في شقه المتعلق بإصلاح نظامنا التعليمي، عما ينبغي القيام به لإنشاء مدرسة مغربية تستطيع تمكين المتعلم من اكتساب المهارات الأساسية، تأمين اندماجه الاجتماعي ودعم نجاحه المهني والأكاديمي. وتحويلها إلى بوتقة لتكوين شباب متفتح، بإمكانه تطوير ذاته وصناعة مستقبل بلاده، مدرك لمعنى الاستقلالية والمسؤولية، ومتشبع بأسمى القيم الإنسانية الرفيعة والراسخة في عمق الهوية المغربية.
وفي الوقت الذي استقر فيه رأي أعضاء لجنة النموذج التنموي الجديد، إثر سلسلة من التشاورات العميقة مع المواطنين ومختلف فعاليات المجتمع المدنية والأطر التربوية في إطار الديمقراطية التشاركية، على أن إصلاح المنظومة التربوية رهين بمدى قدرتنا على تجاوز أزمته الثلاثية التي تحول دون نجاعته. وهي كالتالي: أولا: – أزمة التعلمات التي يجسدها ضعف المتعلمين من حيث تدني مستوى المهارات الأساسية في القراءة والحساب واللغات، وعدم القدرة على إتقانها في نهاية مرحلة التعليم الأساسي. ثانيا: – أزمة ثقة الأسر المغربية في المدرسة وهيئتها التعليمية. ثالثا: – أزمة مكانة المدرسة إثر فقدانها لبريقها وتراجع دورها في الارتقاء الاجتماعي، وتكافؤ الفرص بين المتعلمين.
فإذا بنا نفاجأ مرة أخرى بإطلاق وزارة رئيس لجنة النموذج التنموي منصة رقمية “مدرستنا.ما”، وهي عبارة عن استمارة موجهة لعموم المواطنات والمواطنين قصد المشاركة في مشاورات وطنية حول تجويد أداء المدرسة المغربية. وهي منصة يراهن عليها الوزير في رصد آراء واقتراحات أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع عن السبل الكفيلة بإحداث مدرسة ذات مصداقية تنهي معاناتهم. وكأن الرجل بذلك لا يرى أي جدوى من كل ما بذل من جهود بشرية ومادية، وذلك الكم الهائل من الدراسات المتواترة وتقارير المؤسسات الوطنية والدولية، التي لم تنفك تنبه إلى مكامن الخلل في منظومتنا التعليمية، وتوصي بعديد التصورات الواضحة والرامية إلى إنقاذ المدرسة المغربية…
ترى هل نسي سيادته أن لجنته انتهت إلى استحالة تحقيق أهداف التنمية في ازدهار المواطنين والتماسك الاجتماعي والنمو الاقتصادي والاندماج الترابي، دون القيام بثورة تربوية حقيقية تسهم بفعالية في الارتقاء بجودة التعليم وإعادة وضع قطار المدرسة العمومية على سكته السليمة، حتى يستطيع أن ينقل أزيد من 90 في المائة من المتعلمين نحو امتلاك أهم المهارات المدرسية اللازمة عند نهاية طور التعليم الابتدائي في أفق سنة 2035، عوض نسبة 30 في المائة الحالية؟
فلم كل هذا الإصرار على تكرار التشخيص إلى حد الميوعة، إذا كانت لجنة النموذج التنموي المحدثة بتعليمات ملكية سامية، قد أوصت وفق ما تراكم لديها من آراء ومقترحات بخمسة مكونات أساسية من شأنها الإسهام في الخروج من النفق المظلم، وبلورة منظومة تعليمية مغايرة ومتكاملة، وهي:1- تطوير تعليم أولي جيد، يرتكز على سياسة قوية للطفولة المبكرة، تعطى فيها الأولوية لتنمية شخصية الطفل، ويتوفر على مؤطرين متميزين. 2- تنظيم مسار المتعلم في عدة مستويات التعلم بواسطة تحديد المعارف والمهارات والسلوكيات، التي يتعين عليه اكتسابها تدريجيا عبر مراحل مساره الدراسي، مع تفادي تراكم نواقصه، اعتمادا على آلية مستقلة وموضوعية لتقييم المكتسبات المدرسية، ثم توسيع وتعميم البرنامج الوطني لتقويم التعلمات المنجزة عبر عينة من التلاميذ تحت إشراف الهيئة الوطنية للتقييم، يشمل مجموع المتعلمين المعنيين. 3- السهر على محاربة مختلف مظاهر وأسباب الهدر المدرسي والحد من مخاطر الانقطاع المبكر عن الدراسة، والرفع من فرص النجاح الأكاديمي والمهني. 4- تعزيز التوجيه المدرسي بوضع مشروع شخصي للتلميذ كمنطلق لعملية التوجيه. 5- تثمين مسار التعليم المهني، من خلال جعله مسلكا جذابا يمنح المتعلم فرص عمل ملموسة في سو الشغل؟ أبعد كل هذه الجهود والتوصيات، تعود بنا سيادته إلى نقطة الصفر؟
إن مبادرة بنموسى كان يمكن أن تكون ذات أثر طيب لو أنها جاءت قبل الرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى للتعليم، ولم يكن هناك تقرير للجنة النموذج التنموي، اللذان يهدفان معا إلى محاولة تجاوز النقائص الحالية وإحداث مدرسة عمومية متطورة. أما أن يستمر القائمون على الشأن التربوي في التشخيص وإعادة التشخيص، هدر المال العام والتلاعب بمشاعر المواطنين، فذلك ما لم يعد يقبل به كل ذي غيرة وطنية على الوطن وأبنائه..

اسماعيل الحلوتي

الاخبار العاجلة