ماذا أعددتم لاستقبال قصر أوروبا؟!

29 يونيو 2021آخر تحديث : الثلاثاء 29 يونيو 2021 - 9:57 صباحًا
admintest
كتاب وآراء
ماذا أعددتم لاستقبال قصر أوروبا؟!

في خضم فورة الغضب التي أثارها التهاب أسعار التذاكر للراغبين في السفر إلى أرض الوطن من مغاربة العالم، سواء عبر الطائرة أو الباخرة. وبمجرد أن أعطى ملك البلاد محمد السادس تعليماته السامية للسلطات المعنية وكافة المتدخلين في مجال النقل بالعمل على تيسير عودة أفراد الجالية المغربية المقيمين بالخارج، حسب ما ورد في بلاغ الديوان الملكي الصادر يوم الأحد 13 يونيو 2021، حتى أعلنت الحكومة عن مساهمتها في تخفيض أسعار الرحلات، من خلال تحملها جزء من تكلفة النقل البحري يقدر بملياري درهم. كما بادرت شركة الخطوط الملكية المغربية إلى تقديم عرض بحوالي 2,5 مليون مقعد، فضلا عما رافق ذلك من تعزيز الموارد البشرية واللوجيستيكية وإعداد برنامج رحلات بأسعار تذاكر معقولة، وفق قائمة بأثمان تختلف باختلاف الوجهات وعدد أفراد الأسر من الركاب…
وهي مبادرة طيبة لا يمكن إلا التصفيق لها بحرارة، بعد أن خلفت ارتياحا كبيرا في أوساط مغاربة العالم ونالت إعجاب عديد الشخصيات البارزة وكبريات الصحف الدولية. إذ كيف لا يشعر المواطنون المغاربة بالابتهاج والاعتزاز ببلادهم أمام هذه الالتفاتة الكريمة لعاهلهم المفدى، لاسيما أن منهم من حرمهم تفشي جائحة “كوفيد -19” ليس فقط من زيارة الأهل والأصدقاء على مدى السنتين الفارطتين، بل حتى من حضور جنائز أقرب الناس إليهم وإلقاء النظرة الأخيرة على جثامينهم، سواء الذين قضوا إثر تفاقم حالاتهم الصحية أو من حصدتهم آلة الوباء اللعين؟
بيد أن هناك في المقابل فئة أخرى لا تقل شأنا عن أبناء الجالية المغربية المقيمين قانونيا بالخارج، لم تحظ للأسف بنفس الاهتمام الواجب، وهي فئة القاصرين غير المرافقين بأسرهم من الموجودين في وضعية غير نظامية ببعض البلدان الأوروبية. مع العلم أن الملك أصدر في وقت سابق أمرا بإعادتهم إلى وطنهم، كما يؤكد البلاغ المشترك بين وزارتي الداخلية والشؤون الخارجية الصادر في فاتح يونيو 2021. والذي يشير إلى أنه تم لنفس الغرض وضع آليات للتعاون مع كافة دول أوروبا، ترتب عنها عودة عشرات الأشخاص المستهدفين، لافتا الانتباه إلى أن عاهل المغرب لم يفتأ يعلن عن استعداد بلاده الدائم للتعاون مع الاتحاد الأوروبي والالتزام الجاد بعودة القاصرين الذين تم التأكد الدقيق من هويتهم. ولم يفت بيان الوزارتين إبداء تأسف المغرب لاعتماد البرلمان الأوروبي في استصدار قراره غير المنصف الصادر يوم الخميس 10 يونيو 2021، بناء فقط على مزاعم باطلة لنواب إسبان، عوض الرجوع إلى الأسباب الحقيقية التي أدت إلى انفجار الأزمة السياسية الحالية مع إسبانيا، واحتفاظه لنفسه بحق الرد المناسب في الوقت المناسب بالحجج الدامغة على تورط جارته الإيبيرية، وتواطؤها مع خصوم وحدته الترابية…
وبما أن أوروبا عرفت خلال العقود الأخيرة توافد أعداد كبيرة من القاصرين المغاربة غير المصحوبين بأسرهم إلى أراضيها وخاصة إسبانيا وفرنسا، مما ظل يثير قلقا مطردا لدى الاتحاد الأوروبي حول وضعية هذه الفئة من الأطفال المهاجرين غير الشرعيين. وزاد المشاكل تفاقما ما عرفته مدينة سبتة المحتلة يومي 16/17 ماي 2021 من تدفق المهاجرين السريين بينهم قاصرون، جراء تخفيف المراقبة على الحدود من قبل السلطات المغربية، التي ترفض الاستمرار في لعب دور الدركي في ظل غياب الاحترام المتبادل، خاصة بعد إقدام السلطات الإسبانية في 18 أبريل 2021 على استقبال المجرم ابراهيم غالي زعيم ميليشيا البوليساريو الانفصالية بهوية مزورة، تحت ذريعة “أسباب إنسانية” والسماح له بتلقي العلاج في أحد مستشفياتها، دون أدنى تشاور مع المغرب الذي يعتبر شريكا استراتيجيا وتجمع بينهما مصالح وقضايا مشتركة ذات أهمية كبرى.
فإن القرار الملكي القاضي بالتسوية النهائية لهذا الملف المؤرق والمتعلق بفئة القاصرين المنتشرين عبر بلدان أوروبا، لقي استحسان المغاربة الذين يرفضون بشدة ما يتعرض له شباب وأطفال وطنهم بالخارج من بهدلة وتعنيف، ولا يرضون لهم العيش تحت قيود الظلم والمذلة والاضطهاد، ناهيكم عن الاستغلال المقيت بكافة أشكاله من قبل العصابات الإجرامية والإرهابية. وحظي أيضا بترحيب واسع من لدن الاتحاد الأوروبي، الذي يواصل اعترافه للمغرب بما يبذله من جهود مضنية في مكافحة الهجرة السرية، ويحافظ على ما يربطه به من تعاون متميز ومثمر، باعتباره شريكا جد مهم يعول عليه كثيرا في رفع التحديات والدفع بالشراكة الثنائية في اتجاه خدمة المصالح المشتركة بينهما…
ويشار في هذا الصدد إلى أنه طالما دعت الأوساط الأوروبية المغرب إلى ضرورة التعجيل بإحداث مراكز تابعة للاتحاد الأوروبي قصد إيواء المهاجرين والحرص على صون كرامتهم، والسعي نحو تعزيز علاقات التعاون والتضامن معه، لاسيما بعد التوقيع خلال عام 2016 على اتفاقية بينه وبين الاتحاد الأوروبي تنص على دعمه بما قدره 390 مليون درهم على مدى أربع سنوات… فأين نحن من الاستجابة لتلك الدعوة واحترام بنود الاتفاقية الدولية؟ !
إننا وبذات القدر الذي نثمن به عاليا ما يقدم عليه الجالس على العرش من خطوات جبارة في اتجاه إسعاد أبناء الشعب وتسوية أوضاعهم داخل وخارج الوطن، نمني النفس بأن يحذو حذوه مدبرو الشأن العام ببلادنا ويرقون بمسؤولياتهم إلى مستوى تفانيه في العمل وروح المواطنة الصادقة. إذ كيف للقاصرين الموجودين في بلدان أوروبا بطريقة غير شرعية القبول بترحيلهم والإقبال على العودة إلى أرض الوطن، دون أن تهيأ لهم الظروف المناسبة لحسن استقبالهم وإيوائهم، وتوفير كل ما يلزمهم من رعاية اجتماعية ونفسية خاصة؟

اسماعيل الحلوتي

الاخبار العاجلة