مأزق النظام الأساسي لقطاع التربية الوطنية مقدمة في الدعم التربوي في العطلة البينية

10 ديسمبر 2023آخر تحديث : الأحد 10 ديسمبر 2023 - 4:08 مساءً
admintest
كتاب وآراء
مأزق النظام الأساسي لقطاع التربية الوطنية مقدمة في الدعم التربوي في العطلة البينية

بقلم: لحسن فركاكوم

اصدرت وزارة التربية الوطنية التعليم الأولي والرياضة (عن المديرية المكلفة بتدبير التواصل ) بلاغا صحفيا يوم 30 نونبر 2023 في شأن اطلاق البرنامج الوطني للدعم التربوي لفائدة التلميذات والتلاميذ خلال العطلة البينية الثانية، بالمؤسسات التعليمية العمومية يمتد ما بين 4 و10 دجنبر بجميع جهات المملكة، تشير فيه إلى أن حيثيات اصدار هذا البلاغ الصحفي ودواعي الانخراط في هذه العملية التربوية التعليمية هي: اولا الاستجابة لمطالب النقابات التي تحاور الحكومة في موضوع الاحتقان الذي تغلي به الساحة التعليمية بعد صدور المرسوم رقم 2.23.819 بمثابة النظام الأساسي لقطاع التربية الوطنية، ثانيا مواصلة اصلاح المنظومة التربوية والتكوين تنفيذا لأحكام القانون الاطار رقم 17-51 وتفعيل التزامات خارطة الطريق 2022-،2026 واطارها الاجرائي لهذه السنة الدراسية خاصة في الشق المتعلق بمضاعفة عدد التلاميذ والتلميذات المستفيدين من الأنشطة الداعمة للتعلمات والمتحكمين في الكفايات الأساس.
إن الدعم التربوي في ظل ظروف الاحتقان غير المسبوقة التي تشهده المدرسة العمومية المغربية، يثير أسئلة اشكالية كبرى تسلط هذه الورقة الضوء على بعض منها وهي:
1- اقحام النقابات الأكثر تمثيلية في هندسة بناء البلاغ الصحفي المذكور، يُوحي بأن هذه الأخيرة هي التي طالبت بفتح أبواب المدارس العمومية المغربية لتنفيذ هذه العملية التربوية… ومن يتتبع مُجريات الأحداث منذ بداية هذا الموسم الدراسي، سَيَعِي أن النقابات الأكثر تمثيلية عاجزة كل العجز عن تمثيل الشغيلة التعليمية، اذ لا تستطيع اخراجها للميدان للمطالبة بالحقوق، ولا ابعادها من ساحة النضال ومنعها المشاركة في المسيرات والمظاهرات لإسقاط النظام الأساسي. لقد فقدت هذه النقابات – أو كادت- كل شرعية تمثيلية راهنة في هذا الملف الشائك حتى وإن احتفظت بالشرعية التاريخية، وفسحت بذلك المجال لميلاد تنسيقيات تؤطر موظفي القطاع، وتشتغل وفق قواعد الديمقراطية الداخلية التي افتقدتها البعض المركزيات النقابية نفسها، لتحديد الأهداف وتسطير البرامج وتوحيد الصفوف، كان آخرها التنسيقية الموحدة لهيئة التدريس واطر الدعم بالمغرب التي تأسست بداية هذا الموسم الدراسي .
2- إن اقرار الدعم خلال العطلة البينية هو مقدمة في تنفيذ المهام الجديدة لهيئة التدريس التي جاء بها النظام الأساسي بالمرسوم رقم 2.23.819 موضوع الجدل بين الوزارة وأطر قطاع التربية الوطنية، المحتجة والرافضة رفضا كليا لمضامينه. فاذا تم قبول الدعم التربوي الحضوري ب”أشباه الأساتذة” اليوم، قد يُفرض على الأستاذة غدا تحت طائلة اسناد المهام الأخرى للمعنيين المنصوص عليها في النظام الأساسي الجديد والواردة في المادة 67، وتنفيذ أو استكمال الزمن المدرسي لهيئة التدريس غير المحدد بمنطوق المادة 68 من المرسوم نفسه. إن ارساء الدعم لفئة المتمدرسين المتعثرين واجب مهني صرف يَعِيه المدرسون قبل غيرهم، وينخرطون في تنفيذه في اطار ضوابطه البيداغوجية والتربوية المحددة بالمذكرات الوزارية في الموضوع، وعلى وفق غلاف زمني معقول لا يُقتطع من فترة استراحة المتعلم ( العطلة البينية) التي تعتبر المحطة الأساس لاستعادة الأنفاس وتجديد العزم على لمواصلة المسار الطويل للتعلمات المبرمجة في الموسم الدراسي برمته، مع احترام تام لمبادئ مؤطرة للتربية والتكوين في مقدمتها مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع التلاميذ والتلميذات، بغض النظر عن مستواهم التعليمي وأسلاكهم الدراسية ومكانتهم الاجتماعية أومناطقهم الجغرافية…
3- إن قاعدة الدعم التربوي وفق النظريات والمقاربات البيداغوجية الحديثة، تقتضي احترام مبدأ التدرج في بناء التعلمات بعد تشخيص التعثرات وتقويم المكتسبات وتسديد المسار التربوي، وبعد ذلك تأتي محطة تدعيم التعلمات الأساس لفئة محددة من المتمدرسين والمتمدرسات غير القادرين على الاندماج ومسايرة عمليات البناء التدريجي أثناء الحصص الصفية لبرنامج تعليمي محدد. والحال أن المتعلمين والمتعلمات “حُرموا” حصص الدرس الرئيسة بالمدرسة العمومية المغربية لما يربو عن الشهر والنصف، فإن المطالبة بالدعم في العطلة البينية، في نظرنا هو ضرب من الهروب نحو الأمام، فكما لا يمكن بناء التعلمات الجديدة دون تشخيص المكتسبات السابقة وتقويم التعثرات المربكة لعملية التحصيل الدراسي، فإنه لا يمكن انجاز حصص للدعم بدون تحصيل التعلمات الأساس، اللهم الا اذا كان الهدف هو “الدعم من أجل الدعم” أو الدعم من أجل توجيه الرأي العام الوطني ولاسيما آباء وأمهات وأولياء التلاميذ والتلميذات عن حقيقة واقع المدرسة العمومية اليوم، وما تغلي به الساحة التعليمية من احتقان غير مسبوق.
4- اذا كان المقصود بالدعم التربوي في هذا السياق دعم مكتسبات التلاميذ والتلميذات، فقد دأبت الوزارة الوصية على القطاع على اصدار العديد المذكرات في شأن تثبيت التعلمات الأساس في أسبوع الدعم التربوي في بداية كل موسم دراسي، وأكد عليها المقرر التنظيمي للسنة الدراسية 2023-2024 رقم 19.23 الصادر بتاريخ 2 يونيو 2023 في المادة 2، بشأن ضرورة تخصيص حصص لعمليات وأنشطة الدعم والتثبيت وتعزيز المكتسبات السابقة، يُنجزها الأساتذة في اطار ضوابط منهجية صارمة وتُعد لها جذاذات تربوية شاملة، وترسم لها الأهداف حسب المواد الدراسية، ويُخطط للإنجازات المطلوبة، وتنفذ بشأنها حصص التمرير، وتكون تحت اشراف الادارة والمراقبة التربوية المختصة، وتصحح الانجازات بعد ذلك، ثم تفرغ النتائج في شبكات ويتم تفييئ المتعلمين والمتعلمات بناء على درجات التحكم، و من تم تُخطط جذاذات تربوية خاصة لدعم مكتسبات المتعثرين لتصحيح المسارات وتجاوز التعثرات، قبل بدء الشروع في اعداد الدروس المبرمجة في المستوى الموالي. فأين حصص الدعم التربوي للعطلة البينية من كل هذا البناء والتخطيط التربويين؟؟ وهل تم تمكين المشتغلين في هذا الدعم من نتائج عمليات تقييم المكتسبات المنجزة في بداية هذا الموسم 2023-2024 لاستثمار نتائجها قصد اعداد خطة الدعم التربوي الهادف الى تمكين المتعلمين من الكفايات الأساس، اللازمة لمواصلة المسار دون تعثرات تودي للهدر المدرسي؟ أليس هدر “زمن التعلمات” بالاحتقان الناتج عن الإصرار على فرض النظام المشؤوم هدرا مدرسيا بعينه؟ ألم تصبح وظيفة الدعم التربوي الحضوري خلال العطلة البينية هي اقناع الرأي العام باستمرار المرفق العمومي المدرسي والزمن التربوي رغم سلسلة الإضرابات التي شلت المدرسة العمومية المغربية، والتي أصرت الجهات المسؤولة على اعتبارها “تغيبا غير مشروع” أو أحيانا “توقفا جماعيا للأساتذة عن العمل” والذي استوجب حسب رأيها الاقتطاع من أجور الموظفين؟؟ واخيرا ألم يحجُب صدى الاضراب خبر الدعم التربوي الحضوري عن الأسر التي خرجت في المسيرات السلمية لدعم الاساتذة في حقهم المشروع وضدا عن الاستباحة غير المشروعة للاقتطاع من رواتبهم، في ظل غياب نص تنظيمي لحق الاضراب الذي تكفله المادة 29 من دستور2011 والتي تتحمل الحكومة وحدها تبعات عدم اخراحه لحيز الوجود؟
5- يتسم الدعم التربوي الحضوري في العطلة البينية بالانتقائية والمحدودية وعدم استمرارية العملية في الحيز الزمني المخصص لها (4 الى 10 دجنبر)، حيث لا يشمل كل الأسلاك ولا جميع المؤسسات ويقتصر على بعض المستويات وفئات مستهدفة جد محدودة دون أخرى، لأن التنفيذ اصطدم بعوائق تربوية ومؤسساتية واجتماعية معقدة ومتداخلة، منها، مقاطعة أغلب الشركاء لهذه العملية التربوية وخاصة النسيج الجمعوي لجمعيات آباء وامهات واولياء التلاميذ والتلميذات التي وعقت بلاغات تدعو إلى عدم قبول دفع أبنائهم إلى هذه المبادرة غير المحسولة العواقب التي يكلف فيها غرباء عن المنظومة التربوية لم يتلقوا أي تكوين يؤهلهم لممارسة مهنة التدريس للقيام بالدعم الاستدراكي، بالإضافة إلى الخوف الذي انتاب العديد من آباء التلاميذ الذين “فرض عليهم الدعم” عندما يطالبون بإمضاء وثائق يتحملون فيها مسؤولية ما قد يقع لأبنائهم وبناتهم خارج وداخل أسوار المؤسسات التعليمية العمومية المغربية خلال العطلة المدرسية البينية، كما أن الفئات المستهدفة جد المحدودة ( 7 تلاميذ في الفصل كما تناقلت ذلك بعض وسائل اعلام من داخل المؤسسات التعليمية القليلة التي دُفعت لهذه المبادرة) ولا تولي كبير اهتمام للتعلمات في الزمن بدل الضائع من التمدرس.
6- واخيرا، يعد الدعم التربوي احدى أهم آليات اشتغال منظومة التربية والتكوين، ولا يمكن تصور نجاعته وفعاليتة نتائجه وتحقق أهدافه وغاياته إلا في دائرة الاختصاص ومن داخل المنظومة التربوية نفسها، فالمدرسون والمدرسات وأطر الدعم التربوي هم الأحق والأجدر بإنجاز هذه العمليات التربوية غاية الأهمية في التكوين الأساس للمتعلمات والمتعلمين. ولأن الوزارة الوصية تعتبرهم “منقطعون بطريقة غير مشروعة عن العمل” وتعتبر هدر الزمن المدرسي توقفا اضطراريا للتعلمات، فقد راهنت على أشكال وآليات أخرى للدعم حددها البلاغ الصحفي في خمسة مداخل، بعضها تعتريه عوامل الضعف وغياب النجاعة ومحدودية النتائج، شأنها في ذلك شأن التعلمات الأساس للتلاميذ والتلميذات دون سن 15 سنة في القراءة والعلوم والرياضيات، التي صنفت نتائج دراسة تشرف عليها OCDE ( منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية) المغرب ضمن برنامج التقييم الدولي للتلاميذ في أسفل الترتيب سنة 2022 من مجموع 81 دولة مشاركة في مشروع PISA ( احتل المغرب الرتبة 71 في الرياضيات- 79 في القراءة و76 في العلوم) … و يعني هذا أن منظومتنا التربوية لا تزال بعيدة عن مسار الجودة المطلوبة، وأن أقرب طريق لمعالجة كل اختلالات المنظومة التربوية وربح رهان الجودة هو اصلاح أوضاع رجال ونساء التعليم عبر مدخل سحب النظام الأساسي المشؤوم، وارساء نظام بديل يستجيب لطموحات كل موظفي قطاع التربية الوطنية.

الاخبار العاجلة