لغة الخشب لمن لا يعــرفها

28 مارس 2019آخر تحديث : الأحد 28 مارس 2021 - 10:59 صباحًا
admintest
مجتمع
لغة الخشب لمن لا يعــرفها

كثيرا ما نسمع عبارة “لغة الخشب” و “الديماغوجية” للتعبير عن الكذب المغلف بالمدح والإطراء للمناورة والإغراء، أو بكلمة معبرة أكثر : “النفاق السياسي”.

“ولغة الخشب” بترجمة حرفية لـلغة الفرنسية “Langue de Boisوكلمة “الديماغوجية” “Démagogie” هي نفس الكلمة ذات الأصل الإغريقي مكتوبة بالحروف العربية الديماغوجيا (من اليونانية ديما من ديموس δῆμος “شعب”، وغوجيا من “أگين ἄγειν “قيادة”) وهي إستراتيجية لإقناع الآخرين بالاستناد إلى مخاوفهم وأفكارهم المسبقة سوف نتطرق لها في المقالات المقبلة ان شاء الله أما الان فدعونا في لغة الخشب و ماهي:
ويرجع سبب ترجمتي لها باللغة الفرنسية لأنه كان مفهوما منتشرا أكثر في اللغة الفرنسية (langue de bois), ومعناه التقريبي هو خالي من المشاعر.
و ظهر هذا المصطلح ايبان الحقبة البلشفية لما كان يُعرف بالاتحاد السوفييتي , أطلق الفرنسيون مصطلح ( لغة الخشب ) على الخطاب السياسي الإعلامي السوفييتي للتعبير عن جمود السياسة والإعلام الشيوعي وعدم مرونته أو حتى قابليته للمرونة .. هذا على الأقل ما يوحي به الفهم أو التفسير الظاهري للمصطلح .. غير أن الفرنسيين – في ظني – يرمون بذلك إلى الإيحاء الساخر من فوقية الإعلام الشيوعي آنذاك والأحادية الصارخة لقيادة الرأي العام بوجه عام وبُعده عن الهم الجمعي والنبض اليومي للمتلقي .
على ما بدا أن الدوافع التي أفرزت هذا المصطلح كانت سياسية بالدرجة الأولى وليست إعلامية ذلك أن الفرنسيين استنبطوا مقولتهم هذه من السلوك الإعلامي للسياسيين الشيوعيين لاستخدامهم مفردات وعبارات اتسمت بالصلافة والجمود ومرد ذلك أن الفرنسيين والغربيين عامة كانوا يتبنون نهجاً إعلامياً ثقافياً شعيوياً مغايراً للنهج الشيوعي ينطلق من معايشة ومهادنة المتلقي وصولاً للتأثير فيه وعليه .
و من خلال بحثي في هذا الموضوع لفت انتباهي عدة كتابات و مقالات منها مقال للكاتب جورج أورول George Orwell، حيث كان أول من انتقد اللغة الخشبية في السياسة في مقالة تحت عنـوان “السياسة واللغة الإنكليزية”، أشار فيها إلى أن اللغة والمصطلحات تتشوه بسبب تدهور التفكير، الذي يعود بدوره إلى الغموض المتزايد للتعبير اللغوي، وهذا كله يُعزى إلى تأثير السياسة، لأنها تتخذ الكلام طريقة من طرق الخداع ، وتميل بالتالي إلى استخدام الأكليشيهات والتعبيرات الجاهزة في الإشارة إلى الأشياء والوقائع المزعجة وغير المرغوب فيها. وفصّل الكاتب أفكار مقالته تلك في مادة تحت عنوان “مبادئ الكلام الجديد”، ألحقها بروايته المشهورة “ألف وتسعمائة وأربعة وثمانون”، التي صدرت عام 1948.
و أيضا في أواخر الثمانينات من القرن الماضي عالجت المتخصصة الفرنسية بالشؤون السوفييتية Francoise Thom هذا الموضوع معالجة شاملة دقيقة في كتاب بعنوان “اللغة الخشبية”، أشارت فيه إلى أن طريقة الكلام التي روجت لها النظم السياسية في الاتحاد السوفيتي في تلك الفترة، تسببت في تشويه الكلام والتفكير في آن معا، ومما يثبت ذلك أنها خلفت آثارا متشابهة في لغات مختلفة كالإنكليزية والفرنسية والروسية والصينية والعربية. وكان لهذه اللغة الخشبية وجود واسع في المجتمع، وكانت بمثابة رمز للقوة المطلقة التعسفية للنظام.
في الثمانينيات من القرن الماضي كان لدينا اختراع في مدارسنا – لا أدري إذا كان لا يزال موجوداً حتى الآن يدعى ( الفصاحة والخطابة ) حيث يتعلم التلميذ تحريك يديه كالمروحة وهو يتكلم بلغة فصحى وأسلوب خطابي غريب. وقد تعلم عدد كبير من أطفالنا طريقة الكلام هذه، ونجد الآن أنه ما زال يستعمل هذا الأسلوب حتى الآن في نشرات الأخبار، حيث هناك قوالب جاهزة للخبر، ولغة ومصطلحات متفق عليها، ولهذا أصبح عدد كبير من المشاهدين يعرف الخبر حتى قبل أن يقرأه أو يسمعه.

و قد ظهر هذا المصطلح في اللغة العربية لتوصيف الخطاب السياسي للأحزاب بالخصوص، ووصفه بأنه لا يحتوي أية قيمة أو أي رصيد في الواقع، أي أنه موهم وموغل في الزيف.
وفي دولنا العربية، يكثر استعمال هذه اللغة الخشبية، والمصطلحات والقوالب المعلبة والجاهزة والتي كبرنا ونحن نسمعها يومياً، حتى إننا حفظناها جيدا، وعدد كبير منا يستطيع أن يٌكمل الجملة الخشبية عندما يسمع بدايتها.
و كما سبق الذكر قد سماها البعض لغة الأحزاب بامتياز وأيضاُ باللغة الدعائية للأحزاب ، التي تقوم على فرضية معينة لخبر معين، حتى صرنا نجد أن “معجم اللغات الخشبية” مقسما إلى مفردات إيجابية وسلبية، أي مفردات تنتمي إلى توجهات سياسية محددة ، وكانت الصحف ، وربما مازالت حتى الآن، ترفض أو تمنع استعمال مفردات يعتبرها النظام عدائية بسبب مدلولات توحي بمظهر من مظاهر الرأسمالية أو الحضارة الغربية بشكل عام، مثل مصطلحات ( الشرق الأوسط، أو دول الطوق، حقوق الإنسان)، وتوصيهم باستبدالها بمرادفات لها خالية من تلك المدلولات مثل (دول المواجهة، ودول الصمود والتصدي، الحقوق الإنسانية).
وحين انتقل هذا التعبير إلى الأدب، فإنه أصبح يعني تلك الاستعمالات الأسلوبية التي تتوغل داخل النص أو الخطاب دون أن يكون لها رأسمال من صدق الأحاسيس، ودون أن تكون متمثلة من قبل الناص أو المبدع. ولغة الخشب هي أساسا صياغات جاهزة وميتة، دون روح أو نسغ، لذا أطلق عليها (خشب) دون نسغ ولا حياة.
سأرفق كلامي هذا بسرد حكاية علها تقربكم من الموضوع تقول الحكاية: إن جحا استعار طنجرة من جاره، فلما تأخر في إعادتها واحتاج إليها صاحبها، طرق هذا عليه الباب وذكّره بها. فقال له جحا: أولاً، أنا لم آخذ منك أية طنجرة. ثانياً، كانت طنجرتك معطوبة أصلاً. ثالثاً، لقد أعدتها إليك.

“منطق” جحا هذا الذي يدافع به عن نفسه، يشبه، على غرابته، منطق جميع المتحدثين من موقع الحكم البعثي. تقول له مثلا:
1ـ حرية التعبير نحترمها… 2ـ ولكن يجب أن نميّز بين حرية التعبير والتخريب، فثمة طروحات تتجاوز سقف الثوابت الوطنية… 3 ـ كل دول العالم لديها ضوابط معينة، على المواطن أن يحترمها… وفقا لمنطق جحا المذكور و من هذه الأمثلة الكثير و الكثير تجدها بكثرة في السياسات الخارجية.
يطول الحديث في هذا الموضوع إلا أن هذه ليست إلا نبذة و التفاته لأنني وجدت أن الكثير منا لا يعرف معنى هذه الكلمة أو من أين جاءت.
اما أخر كلامي هو بقولي انه لا نجاة إلا في الصدق والوضوح ويخطئ من يعتقد أن معسول الكلام وزخرفة القول تخفي خبث المعاني ودناءة المقاصد ذلك لان حبل الكذب قصير وسبيل المخادعه مقطوع.

بقلم: سكينة سيدي حمو

الاخبار العاجلة