فاجعة أنفا .. الأسئلة الغائبة

10 مايو 2022آخر تحديث : الثلاثاء 10 مايو 2022 - 9:52 صباحًا
admintest
كتاب وآراء
فاجعة أنفا .. الأسئلة الغائبة

بقلم: عزيز لعويسي

في أقل من أسبوع، كانت أسرة الأمن الوطني على موعد مع فاجعتين، “الأولى” همت شرطي مرور أنفا الذي راح ضحية مطاردة في الشارع العام انتهت بوضعه تحت الحراسة النظرية وبعدها رهن الاعتقال الاحتياطي، و”الثانية” ارتبطت بمقتل ضابط شرطة فقد الحياة بمدينة إنزكان على خلفيه تلقيه لضربة على مستوى العنق باستعمال السلاح الأبيض، لما تدخل في الشارع العام -خارج أوقات العمل- لفض شجار بين شخصين، وإذا كان ما وقع في أنفا وإنزكان يشكل مرآة عاكسة لواقع حال مهنة الشرطة، ولحجم المخاطر والتهديدات المتربصة بموظفيها بمناسبة أداء مهامهم المهنية، فهو في ذات الآن، يتيح الإمكانية لإثارة جملة من الملاحظات والمشكلات الأمنية والقانونية والواقعية والاجتماعية خاصة فيما يتعلق بالفاجعة الأولى، ندرجها على النحو التالي :

– شرطي المرور بدون شك توجه إلى مقر العمل بتاريخ الواقعة بحسن نية، والتحق بنقطة العمل التي أسندت له على غرار باقي زملائه، من أجل الإسهام الفردي والجماعي في فرض النظام العام والسهر على تطبيق القانون، ونجزم أنه ليس هناك شرطي يغادر بيته وأسرته وأبناءه إلى العمل بنية الشطط أو التجاوز أو ممارسة العنف أو الاعتداء على المواطنين، لأنه خاضع ولابد أن يكون خاضعا لسلطة القانون ولما يؤطر عمله من ضوابط مهنية وتعليمات إدارية، والغاية الأولى والأخيرة من وجود الشرطة بالشارع العام، ما هي إلا لخدمة المواطنين والحرص على حياتهم والسهر على أمنهم وراحتهم وسكينتهم.

– رجل الشرطة المعني وهو بالشارع العام، عاين مخالفات مرورية لسائق دراجة نارية، وتحمل مسؤوليته بل كان عليه أن يتحمل مسؤوليته المهنية والقانونية في التدخل لفرض تطبيق القانون وحماية مستعملي الطريق من أي تهور محتمل من جانب السائق، إلا أن هذا الأخير لم يمتثل بالوقوف ولاذا بالفرار بكل عبث وتهور أمام أنظار الشرطي، الذي لم يتواجد بالشارع العام، إلا للسهر على تطبيق القانون وضمان سلامة مختلف مستعملي الطريق.

– فعل الفرار، يمكن قراءته من ثلاث زوايا: الأولى أن سائق الدراجة قد يكون متورطا في حادثة سير مميتة أو متسببا فيها أو يتعاطى للسرقات بالخطف بالشارع العام أو يروج المخدرات والأقراص المهلوسة، أو قد يكون موضوع مذكرة أو مذكرات بحث محلية كانت أو وطنية، الثانية: أن الفرار من شأنه أن يعطي الانطباع لمستعملي الطريق من سائقي السيارات والدراجات والراجلين، أن الشرطة فاقدة للحزم والصرامة والجاهزية والاستعداد، بشكل قد يشجع على التمادي في خرق قانون السير والجولان، أما القراءة الثالثة، فترتبط بإمكانية تسبب سائق الدراجة “الفار” في عرقلة السير أو التسبب في حادثة مميتة أو يكون موضوع حادثة مميتة خاصة وأنه كان يقل خلفه فتاتين، وبالتالي فالشرطي المعني، قام بما يتعين القيام به، فبادر – بعد رفض السائق الامتثال بالوقوف – إلى مطاردته بالدراجة حتى يرغمه على التوقف، ومع ذلك أصر المعني بالأمر على عدم الامتثال في تحدي واضح للشرطة وانتهاك صريح لقانون السير والجــولان، إلى أن وقعت المأساة المـرورية.

– الشرطي سخر الدراجة النارية المتواجدة رهن إشارته في القيام بفعل المطاردة، وفي هذا الإطار فمن آخذ المعني بالأمر على اتخاذ قرار المطاردة بدل الاكتفاء بتدابير أخرى قانونية وآمنة من قبيل تسجيل رقم لوحة الدراجة وإشعار قاعة المواصلات بموضوعها لاتخاذ التدابير اللازمة، فهذه المؤاخذة يمكن القبول بها، لكن في نفس الآن، نتساءل لماذا وضعت الإدارة المشغلة دراجات نارية عالية السرعة رهن إشارة عناصر شرطة المرور وفرق الدراجين “الصقور”، ما لم يتم تسخير هذه الدراجات في تطبيق القانون وتعقب العابثين والمتهورين والمخالفين والخارجين عن القانون ؟ وبتعبير آخر، فإذا كانت فلسفة الشرطة تتأسس على فرض النظام العام والحرص على ضمان احترام القانون وزجر المخالفين والمنحرفين، فكيف يمكن تحقيق هذه الغايات الأمنية، ما لم يتم تسخير الوسائل اللوجستية الموضوعة تحت تصرف عناصر الشرطة من سيارات ودراجات نارية وغيرها ؟

– عدم امتثال سائق الدراجة الذي كان يقل خلفه فتاتين في تحدي واضح للشرطة وخرق صريح لقانون السير، وإصراره على فعل الفرار أمام أنظار الشرطي ومستعملي الطريق، هو إهانة للشرطة وتبخيس لعملها واستفزاز للشرطي المعني بالسهر على ضمان احترام قانون السير والجولان، وتكريس للإحساس العام بتنامي ثقافة العبث والتهور وانعدام المسؤولية وانتهاك القانون، وتقليل من شأن الشرطة ودورها في فرض هيبة القانون وتقوية الإحساس بالأمن لدى المواطنين.

– بمفهوم المخالفة، نتساءل ماذا لو قام الشرطي بغض الطرف وهو يعاين مخالفات مـرورية بادية للعيان، واستمر في عمله بشكل اعتيادي و”مستعملو الطريق” ينظرون إلى ردة فعله أو يتأملون في تردده أو عدم اكتراثه لما وقع من مخالفات ؟ وتصرف من هذا القبيل، سيطلق العنان للمتهورين لممارسة المزيد من العبث في الشارع العام والتمادي في خرق القانون أمام الأنظار، وسيشكل ملامح صورة للشرطة في أذهان المواطنين مقرونة بمفردات عدم الاستعداد والجاهزية واللامبالاة والتقاعس والتردد في فرض القانون وزجر المخالفين والمنحرفين، دون إغفال ما لهذا السلوك من آثار على مستوى المردودية ومن تأثيرات مباشرة على ميزانية الدولة فيما يتعلق باستخلاص الغرامات المرورية.

– سائق الدراجة النارية ماذا كان سيحدث له لو امتثل لأمر الشرطي بالتوقف وتحمل مسؤولياته أمام القانون ؟ في جميع الحالات كان عون المرور سيحرر بشأنه محضرا بخصوص المخالفات المرورية المرتكبة، وكان على المعني بالأمر أن يدرك تداعيات عدم الامتثال ويقدر المخاطر المحتملة التي قد تواجهه في حالة مطاردته من قبل الشرطي خاصة وأنه كان يقل خلفه فتاتين، لكنه اختار طريق العبث والتهور وانعدام المسؤولية، مما قاده إلى الفاجعة التي لم تكن وقتها، تخطر في البال ولا في الحسبان.

– بعد وقوع الفاجعة، حاصر الجمهور الشرطي/ المطارد وهو بداخل سيارة الشرطة، وتم إمطاره بوابل من السب والشتم والإهانة والتحقير والتصوير والتشهير أمام أنظار زملائه دون اعتبار لزيه الرسمي ولا لسيارة الشرطة التي كان على مثنها، والبعض حاول مهاجمته داخل السيارة بدون خجل أو حياء، بل ووصل التحدي مداه والعبث مستواه، باتهامه بالقاتل في مساس خطير بحقوق الانسان وفي انتهاك صريح لمبدأ “قرينة البــراءة”، بل وتعالت الكثير من الأصوات المحتجة مشهرة سيوف الإهانة والاتهام والإدانة للشرطي.

– صورة الشرطي وهو محاصر بين الجمهور الهائج، شكل في حد ذاته تصرفات جرمية معاقب عليها قانونا من قبيل الإهانة والسب والشتم والتهديد والمساس بالحق في الصورة والتشهير، بكل ما لذلك من آثار عميقة على نفسية الشرطي وأسرته وعائلته، ومن مساس بصورة الشرطة وتحقير لها، ومن تعميق لبؤرة الإحسـاس بتمدد مساحة العبث والتهور والانحراف والإجرام في المجتمـع، وهذه الصورة المأسوف عليها، لايمكن فصلها، عما وصل إليه المجتمع من إفلاس ديني وقيمي وأخلاقي ومن انتكاسة في المواطنة وما يرتبط بها من مسؤولية وانضباط والتزام واحترام للقانون والمؤسسات، وهذا يستدعي دق ناقوس الخطر، لأن محاصرة المواطنين للشرطة وإهانتها، معناه أننا وصلنا إلى درجـة مقلقة من التسيب والانفلات والعبث.

– ما وصلنا إليه من مظاهر التهور والعبث والتفاهة والانحراف وانعدام المسؤولية، لا يفرض فقط دق ناقـوس الخطر، بل وتحميل المسؤولية كاملة إلى مؤسسات التنشئة الاجتماعية من أسرة ومدرسة ومجتمع مدني وأحزاب سياسية وإعلام ومجالس علمية ودور الثقافة والرياضة والشباب، والتي تراجعت أدوارها في التربية والتنشئة والتأطير والتوعية والتحسيس، وإلى السياسات العمومية في أبعادها الوطنية والجهوية والمحلية، التي لم تعد تضع بناء الإنسان ضمن أولوياتها، مما أفرز تربة مجتمعية تفرخ العبث بكل مستوياته وأشكاله، في ظل تعمق بؤر الفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعي، وهذا الواقع يطرح عدة تحديات على المنظومة الأمنية التي تتحمل وحدها وز الأعطاب المجتمعية.

– المطاردة التي كان يمكن تفاديها لو حضرت مشاهد الالتزام والمسؤولية واحترام القانون، انتهت بوفاة سائق الدراجة رحمه الله وإصابة مرافقتيه بجروح بليغة نتمنى لهما الشفاء العاجل، وبوضع الشرطي الدراجي رهن الاعتقال الاحتياطي على ذمة التحقيق، وهذا الاعتقال ستكون له وبدون شك، تداعيات عميقة على نفسية نساء ورجال الشرطة وسيقوي فيهم الإحساس بالخوف والتردد فيما يتعلق بالتدخلات التي تتم في الشارع العام في إطار محاربة أشكال الانحراف والجريمة، وربما البعض منهم قد يجنح إلى سياسة “غض النظر” بدل الإقدام على الانخراط في أي تدخل أو مطاردة قد تقـود إلى الاعتقال على غرار ما تعرض له زميلهم المعتقل، كما أن البعض قد يضطر إلى لعب “دور الكومبارس” لما يكون أمام مواطن أو مواطنين في حالة خطر أو يتعرضون للاعتداء “الكريساج” أو يكتفي بغض الطرف والانصراف بدل التعرض إلى اعتداء محتمل على غرار ما وقع لضابط إنزكان، وفي هذا الإطار نتساءل : هل استحضرت المديرية العامة الجوانب النفسية لموظفيها بعد الفاجعة وتداعياتها على المردود المهني ؟ وهل هناك من خطة للدعم النفسي والاجتماعي والقانوني لتجاوز آثار الفاجعة على الشرطيين وهم يتأملون زميـلا لهم خلف القضبان في إطار تدخل مهني وآخر تم قتله لما تدخل لفض شجار بالشارع العام؟

– اعتقال الشرطي بقدر ما له آثار سلبية على نفسية الشرطيين ومردودهم المهني، بقدر ما له تداعيات إيجابية على نفسية المتهورين والمنحرفين والمجرمين، الذين قد يتمادون في إنتاج ممارسات العبث والتهور والانحراف والإجرام بالشارع العام، بعدما باتوا على وعي وإدراك أن الشرطة لن تطاردهم أو ستتردد في مطاردتهم خوفا من أي حادث مروري محتمل قد يــؤدي بهم إلى الاعتقال كما حدث لشرطي أنفا، وفي كلتا الحالتين، سيكون الضحية هو المواطن الذي سيؤدي فاتورة أي تمدد محتمل لرقع الانحراف والجريمة.

– القضاء له صلاحيات قانونية في اتخاذ قرار الاعتقال من عدمه، وفي هذا الإطار لايمكن البتة خوض نقاش قانوني في المبررات القانونية والواقعية التي اعتمدها القضاء لاتخاذ قرار وضع الشرطي تحت الحراسة النظرية وبعدها رهن الاعتقال بالمؤسسة السجنية على ذمة التحقيق، لكن بالمقابل، ألم يكن من اللائق مراعاة ظروف الواقعة ومتابعة المعني بالأمر في حالة سـراح إلى أن يتم استكمال عناصر البحث؟ ألم يكن من الممكن الأخذ بضمانات الحضور مراعاة لحالته النفسية وتداعيات فعل الاعتقال على أسرته وزملائه والهيئة التي ينتمي إليهـا؟ ألم يتأثر قرار الاعتقال بضغط الشارع في ما وقع من احتجاجات شعبية تضمنت اتهاما للشرطي بالقتل ومطالب بالاعتقال؟ أم أن القضاء وضع اليد على أدلة وقرائن بخصوص ظروف وملابسات الواقعة، جعلت من فعل الاعتقال ضرورة لا محيد عنها؟

– البعض نبش في حفريات القانون الجنائي وأثار بعض النصوص ذات الصلة ببعض الجرائم التي يقترفها الموظف العمومي، وفي هذا الإطار نرى حسب تصورنا الخاص، أن استنجاد القضاء بالنصوص الجنائية الصارمة لبلورة “تكييف قانوني” لما وقع من مأساة، قد يخرج القضية من سياقها العام ويفرغها من كافة الظروف الذاتية والموضوعية والمهنية والقانونية والسلوكية والواقعية التي أنتجتها، وفي هذا الإطار فمن أثار على سبيل المثال لا الحصر، الفصل 403 الذي تناول جريمة “الضرب والجرح المفضي إلى الموت دون نية إحداثه”، فهذا الفصل من الصعب تنزيله أو إسقاطه على ظروف وملابسات الواقعة، حتى لو ثبت أن الشرطي قام بدفع السائق “الفار” ليجبره على التوقف كما صرح بعض أصدقاء الضحية، وهذا الدفع من الصعب موازنته أو قياسه بتصرفات من قبيل شخص وجه “لكمة” إلى وجه الضحية بشكل عمدي أو طعنه بسلاح أبيض أو ضربه بعصى أو أداة حادة على مستوى الرأس في إطار شجار أو خصومة أو محاولة سرقة بالخطف.

– في حالة إذا كان سقوط الضحية قد نتج بسبب “البالوعة” بدون غطاء، ففي هذه الحالة ما محل الشرطي من الإعراب في ظل إصرار الضحية على الفرار؟ وما مسؤولية السلطة المعنية بتدبير الشأن المحلي التي لم تتحمل مسؤوليتها في إقفال “البالوعة” حماية لمستعملي الطريق من أي خطر محتمل؟ أما في حالة إذا أثبتت المحتويات الرقمية إقدام الشرطي على “دفع” الضحية من أجل إجباره على التوقف واصطدم بالبالوعة المعنية اعتبارا لعامل السرعة، فمن يتحمل مسؤولية ما وقع؟ هل الضحية الذي فضل عدم الامتثال والفرار؟ هل الشرطي الذي أصر على المطاردة وأقدم على “دفع” الضحية ليجبره على الوقوف قبل أن يصطدم هذا الأخير بالبالوعة؟ هل هي مسؤولية من ترك “بالوعة” بالشارع العام بدون غطاء معرضا حياة مستعملي الطريق للخطر؟ أم هي مسؤولية مشتركة لابد أن يتحمل وزرها الجميع كل فيما يتعلق به؟

– قد يحاسب البعض الشرطي على إقدامه وإصراره على “المطاردة” دون اتخاذ التدابير الإجرائية والاحتياطات اللازمة حماية لنفسه وللسائق “الفار” ولمستعملي الطريق، والخوض في هذا الاحتمال لن يجدي نفعا، طالما أن الشرطي سلك مسلك المطاردة، والأسئلة التي يمكن أن تطرح في هذا الإطار هي كالتالي : هل هناك نصوص قانونية صريحة تؤطر تدخلات الشرطة في الشارع العام ومنها “المطاردة البوليسية”؟ هل النظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني استحضر الإشكاليات المهنية والقانونية والواقعية التي قد يتعرض لها “الشرطيون” في إطار نشاطهم المهني بالشارع العام حماية لهم من مختلف المخاطر المحتملة خاصة في ظل تمدد دائرة الانحراف والجريمة؟ هل كان الشرطي على وعي وإدراك بما يؤطر تدخلاته بالشارع العام من أطر قانونية وضوابط مهنية؟ هل أمر الشرطي الضحية بالتوقف؟ هل امتثل هذا الأخير أم لاذا بالفرار؟ هل طارده الشرطي في الحين؟ هل أشعر هذا الأخير قاعة المواصلات بموضوع التدخل؟ كم استغرقت مدة المطاردة؟ كم السرعة التي كان يسير عليها سائق الدراجة موضوع الفرار؟ هل كان يرتدي ومرافقتيه الخوذة؟ هل طالبه الشرطي بالتوقف وهو في حالة فرار؟ هل امتثل بالوقوف أم أصر على الفرار؟ هل فعلا قام الشرطي ب”دفعه” بقدمه حتى يجبره على التوقف؟ إذا ثبت فعل “الدفع”، فماهي المدة الزمنية الفاصلة بين “فعل الدفع” و”فعل السقوط”؟ هل كان السقوط عرضي نتيجة عامل السرعة؟ هل كان نتيجة “الدفع” المحتمل ؟ أم نتيجة الاصطدام بالبالوعة عديمة الغطاء؟ ماهي المدة الزمنية الفاصلة بين الدفع “إن ثبت” و”الاصطدام بالبالوعة” حيث تم سقوط الدراجة؟ هل المطاردة بما فيها “الدفع” المحتمل تحكمت فيها نية إيقاف “السائق الفار” لإخضاعه إلى سلطة القانون؟ أم تحكمت فيه الرغبة في ممارسة “الضرب والجرح” عليه؟ هل هناك شرطي عاقل ومسؤول يغامر بحياته ومستقبله المهني عبر الإقدام على تعريض سائق دراجة “فار” للضرب والجرح لإيقافه بالشارع العام أمام مرأى مستعملي الطريق؟ ألم تكن الرغبة التي حركت الشرطي هي إيقاف سائق الدراجة لمخالفته مقتضيات قانون السير وللشكوك التي حامت حول سبب أو أسباب فراره؟ كيف كان سيكون وضع الضحايا لو كانوا يرتدون خوذة تحمي رؤوسهم من أي سقوط فجائي محتمل؟ ألم يكن تدخل الشرطي “حماية لهم” من خطر الطريق بما أنهم منتهكين لقانون السير والجولان؟ ما هي التدابير الإجرائية التي اتخذها الشرطي لما وقعت المأساة إنقاذا لحياة الضحايا؟

ونحن ندلي بهذه الأسئلة ليس الهدف الدفاع والترافع، أو توزيع صكوك الإدانة والاتهام، ولكن من باب الإسهام الرصين في خلق نقاش مجتمعي بشأن هذه الفاجعة التي تسائل الأداء الشرطي في أبعاده المهنية والقضائية والقانونية والحقوقية والواقعية والنفسية والاجتماعية، كما تسائل فشل مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية وفي طليعتها الأسرة والمدرسة، في ظل تراجع منظومة القيم والأخلاق، وشيوع ثقافة العبث والتهور والانحراف وانعدام المسؤولية في أوساط الناشئـة، فضلا عن مساءلتها لمختلف السياسات العمومية، التي لازالت عاجزة عن بناء الإنسان/المواطن الذي ينضبط لسلطة القانون ويحترم الدولة والمؤسسات، وإذا كان من متهم في هذه الفاجعة، فهو “العبث” و”التهور” و”قلة التربية” و”الاستخفاف بالقانون” و”عدم احترام المؤسسات” و”عدم الالتزام”، أما الشرطي رهن الاعتقال، فسواء أخطأ أو أصاب وسواء كان تدخله صائبا أو معيبا، فما قام به من تدخل جاء في سياق مهني، لابد للقضاء من مراعاته واستحضاره والإحاطة به، ومرة أخرى نطالب المؤسسة الأمنية بإحاطة موظفها بشروط المحاكمة العادلة وبالحماية القانونية الضرورية، ونجدد لها الدعوة، بـأن تحيط أسرته بما يلزم من الدعم النفسي والاجتماعي، ونختم بالقول، أن الوطن في حاجة ماسة لكل أبنائه، وبقدر ما يؤلمنا رحيل الشاب عثمان وإصابة مرافقتيه، بقدر ما يؤسفنا اعتقال شرطي لم يسرق ولم يختلس ولم ينصب أو يحتال ولم يقتل باستعمال السلاح الوظيفي ولم يتعمد الضرب والجرح …، لكن قدر الله ما شاء فعل و”المكتوب ما منو هروب” كما يقال، على أمل أن نرتقي بمنظومة التربية والتعليم و القيم والأخلاق والالتزام والاحترام، وأن نجاهد أفرادا وجماعات في تربية أجيال مشبعة بحب الوطن واحترام القانون والمؤسسات …

الاخبار العاجلة