عين على العلاقات المغربية الإسرائيلية

15 مايو 2021آخر تحديث : السبت 15 مايو 2021 - 10:19 صباحًا
admintest
كتاب وآراء
عين على العلاقات المغربية الإسرائيلية

بقلم : عزيز لعويسـي

لما أقبل المغرب على ركوب قطار التطبيع على غرار ما أقدمت عليه دول عربية أخرى، أو بتعبير آخر الإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، ظل وفيا وملتزما بالمواقف الثابتة للمملكة حيال القضية الفلسطينية، والتي تتأسس على الحل القائم على دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في أمن وطمأنينة وسلام، وعلى خيار المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي كسبيل وحيد و أوحد، في اتجاه الوصول إلى حل عادل وشامل ودائم لهذا الصراع الذي طال أمده …، وعلى استمرارية الدفاع عن القدس وعلى طابعها الخاص، بما يضمن المحافظة على هويتها كمدينة للقاء والحوار والتسامح والسلام، انسجاما و أهداف ومبادئ “نداء القدس” الذي وقع بالرباط في 30 مارس 2019م من طرف الملك محمد السادس أمير المؤمنين ورئيس لجنة القدس وقداسة بابا الفاتيكان فرنسيس، وهي المواقف الثابتة التي عبر عنها الملك محمد السادس – حينها – في محادثة هاتفية له على التوالي مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في سياق الإعلان الأمريكي عن مغربية الصحراء، ومع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

ورغم ما أثاره القرار المغربي من ردات أفعال شعبية في عدد من الأوساط، تقبلنا هذا المتغير – الذي لم يرض الكثير- بإيجابية وواقعية بعيدا عن العواطف الغارقة في الحماسة، لاعتبارات أربعة، أولها: وجود عدد مهم من اليهود من أصل مغربي داخل إسرائيل، وهؤلاء لايمكن حرمانهم من علاقاتهم التاريخية والروحية والوجدانية مع بلد آبائهم وأجدادهم المغرب، اعتبارا للوجود التاريخي لليهود في هذا البلد السعيد، ثانيها: لما للقرار من انعكاسات إيجابية على قضية الصحراء المغربية في ظل إصرار الإخوة الأعداء في الجارة الشرقية على ممارسة عقيدة العداء الخالد للمغرب ولوحدته الترابية، وفي سياق تمادي بعض دول الجوار الأوربي كإسبانيا وألمانيا في ممارسات التحرش والابتزاز والاستفزاز، ثالثها: لما يمكن أن يستفيد منه المغرب من مكاسب اقتصادية وسياحية وتكنولوجية وعسكرية واستراتيجية، من شأنها تقوية قدراته داخل المنطقة في ظل تربص الأعداء والحاقدين واليائسين، رابعها: يرتبط بثبات مواقف المملكة المغربية بخصوص قضية فلسطين، ولما يمكن أن يضطلع به المغرب من أدوار متعددة الزوايا في خدمة هذه القضية والدفاع عنها في اتجاه التوصل إلى حل عادل ودائم وشامل في إطار حل الدولتين، استثمارا للعلاقات التي تربط المغرب باليهود المغاربة داخل إسرائيل.

وفي الوقت الذي انخرط فيه المغرب بشكل مسؤول في أوراش التعاون مع الجانب الإسرائيلي في عدد من المجالات، وتراجع فيه منسوب المواقف الرافضة، وبدأنا نستشعر نوعا من القبول والتعايش مع واقع العلاقة بين الطرفين، وفي الوقت الذي كنا كمتتبعين للشأن السياسي والدبلوماسي المغربي، نـتـطلـع إلى تغــير في السياسة الإسرائيلية بما يعبر عن إرادتها الحرة والصريحة في الجنوح نحو السلام مع الفلسطينيين وجيرانها العرب، أبت إسرائيل إلا أن تغرد خارج سرب السلام، في ظل ما شهدته مدينة القدس خاصة في حي الجراح من أحداث عنيفة، ومن اقتحام القوات الإسرائيلية لباحات المسجد الأقصى وما رافق ذلك من ترويع واعتقال للمصلين الآمنين خلال أواخر شهر رمضان المبارك، وما ترتب عن ذلك من تصعيد وعنف وتقتيل وترويع وتشريد، وفي ظل ما تناقلته وسائل الإعلام من مشاهد العنف والدمار والخراب التي حضرت في قطاع غزة كما حضرت في عدد من المدن الإسرائيلية التي اكتوت بنيران المقاومة الفلسطينية المشروعة، لايمكن إهدار الزمن في النبش في حفريات السبب أو الأسباب التي أشعلت فتيل الصراع والمواجهة في هذا الظرف بالضبط، فما هو باد للعيان، أن إسرائيل الباحثة عن السلام مع جيرانها العرب، أخطأت الموعد مع السلام وأوقفت بقصد أو بدونه “قطار التطبيع” الذي كان مرتقبا أن يستوعب دولا عربية أخرى، واستفزت مشاعر الملايين من المسلمين عبر العالم، بشكل تتعمق معه بؤر السخط والعداء لإسرائيل في العالم العري الإسلامي، وأطلقت العنان لخطاب الحقد والكراهية والإقصاء، وأدخلت المنطقة برمتها في أجواء من التوتر والتصعيد والعنف والعنف المضاد، بشكل يذيـب جليد فرص التوصل إلى حل عادل وشامل ودائم للقضية الفلسطينية في إطار “حل الدولتين”.

ما أقدمت عليه القوات الإسرائيلية من تجاوزات خطيرة داخل باحات المسجد الأقصى المبارك ومن تصعيد وإفراط في ممارسة العنف في حق الفلسطينيين العزل، يعكس غباء سياسيا ودبلوماسيا فاقدا للبوصلة تماما من جانب الطرف الإسرائيلي، الذي أساء التقدير ولم يستحضر تداعيات ما حدث على صورة إسرائيل في محيطها العربي والدولي وخاصة على مستوى جديتها، بخصوص ما تدعيه أو تتطلع إليه من سلام مع العرب بعدما نجحت في إطلاق العنان لقطار التطبيع العربي، وإذا ما طرحنا الآثار والتداعيات المشار إليها أعلاه جانبا، فما حدث في القدس من تصعيد وتجاوزات، يرخي بكل ثقله على العلاقات بين المغرب وإسرائيل، لاعتبارات ثلاثة، أولها: ثبات المواقف المغربية بخصوص القضية الفلسطينية رغم اتخاذ قرار استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، ثانيها: ترأس الملك محمد السادس للجنة القدس التي تضطلع بمهام الحفاظ على الطابع الخاص للمدنية ، ثالثها: المساس بروح مبادئ “نداء القدس” الذي وقع بالرباط في 30 مارس 2019م بين الملك محمد السادس أمير المؤمنين ورئيس لجنة القدس، وقداسة بابا الفاتيكان فرنسيس، وهو النداء التاريخي الذي نص – من ضمن ما نص عليه – على المحافظة على مدينة القدس الشريف باعتبارها تراثا مشتركا للإنسانية وأرضا للقاء ورمزا للتعايش السلمي بين أتباع الديانات التوحيدية الثلاث …

واستحضارا لكل هذه الاعتبارات وغيرها، فما حدث ، قـد يدخل العلاقات المغربية الإسرائيلية في نوع من الرتابة والفتور، بشكل قد يساهم في كبح جماح بعض أوراش التعاون والتواصل المفتوحة بين الطرفين أو قيد الفتح، ويغـذي المواقف الرافضة لما اتخذته الرباط من قرار أعاد الحياة للعلاقات مع إسرائيل بعد توقف دام زهاء العقدين من الزمن، دون إغفال ارتفاع منسوب السخط والكراهية والعداء في عدد من الأوساط الرسمية والشعبية في المغرب كما في العالم العربي الإسلامي، والمغرب والتزاما بمواقفه الثابتة حيال القضية الفلسطينية، واعتبارا لمسؤولياته في حماية القدس بصفته رئيسا للجنة القـدس، مدعو إلى التحرك بما يضمن وقف نزيف العنف ، ووضع حـد لكل المخططات والمؤامرات الرامية إلى تغيير الهوية العربية والإسلامية للمدينة ووضعها القانوني، وذلك استثمارا لعلاقاته التاريخية مع إسرائيل خاصة مع اليهود المغاربة.

أما الدول العربية ممثلة في “اللجنة الوزارية” التي شكلتها الجامعة العربية بمناسبة انعقاد الاجتماع الوزاري العربي الطارئ قبل أيام، لمتابعة التحرك العربي ضد السياسات والإجراءات الإسرائيلية غير القانونية في مدينة القدس، فهي مطالبة بتحمل مسؤولياتها الكاملة فيما شهدته القدس من انفلاتـات وتجاوزات خطيرة، و بالتحرك في جميع المستويات بما يضمن وضع حد لجميع الاعتداءات والجرائم التي تشكل استفزازا لمشاعر المسلمين عبر العالم، لما لذلك من تداعيات على أمن واستقرار المنطقة، وبما يسمح بالمحافظة على الطابع الخاص لمدينة القدس، والدول العربية التي انخرطت في مشروع التطبيع، لابد أن تستثمر جسور السلام والاتصال الممتدة مع إسرائيل، في اتجاه دفعها إلى العودة إلى طاولة الحوار والتفاوض، في أفق التوصل إلى حل عادل وشامل ودائم يضع حدا لصراع طال أمده، في استحضار تام للأمن القومي العربي.

أما إسرائيل ، فلابد أن تدرك أن “السلام” هو “إرادة” و”التزام” و”موقف” قبل أن يكون اختيارا، وإذا كانت فعلا تتوق إلى السلام والعيش المشترك مع العرب من المحيط إلى الخليج، وتتطلع إلى الإبقاء على عجلة قطار التطبيع في حالة دوران مستدام، فما تورطت فيه قواتها من تجاوزات داخل المسجد الأقصى ومن أعمال عنف وجرائم خطيرة في حق فلسطينيين عزل، يعـد انـتهاكا صارخا للسلام والأمن والاستقرار، وإصرارا على إتيـان ممارسات التوتر والعنف والاضطراب والإجرام، مما يجعل سلامها “المزعوم” سلاما “هشا” إن لم نقل “مزيفا” أو “خادعا” أو “مرتبكا”، إسرائيل لابد لها أن تدرك أيضا أن “السلام” و “الحرب” هما “مستقيمان متـوازيان لا يلتقيـان” ، وأن تعي كل الوعي ، أن كل ما تنتجه من سياسات جانحة نحو العنف والتصعيد، لن يقود المنطقة إلا إلى المزيد من التوتر والاضطراب والحرب ، ولن يقود إسرائيل ذاتـهــا ، إلا إلى المزيـد من العزلة والخوف والهلع والقلق وعدم الاستقرار، و من يساهم في إنتـاج معالم السياسة الإسرائيلية، يبقـى مطالبا باستعجال “تصحيح الصورة” و”إعادة بنـاء الثقة” مع الفلسطينييـن والجيـران العرب، وهذا المطلب لم ولن يتحقق على أرض الواقع، إلا بالقطـع مع “ازدواجيـة الخطاب” والمضي قدما في اتجـاه “السلام” وما يفرضه من رزانة ومسؤولية وضبط نفس وصبر وحكمة وتبصـر وبعد نظر، وبجعل “الحوار” و”التفاوض” مسلكا وحيدا لإدراك السلام ورسم خارطة طريق مستقبل آمن ومستقر، تتحقق معه أهداف السلم والتسامح والعيش المشترك، ومقاصد التنمية والتعاون والرخاء والازدهار وفق قاعدة “رابح .. رابح” …

ونحن نديـن ما حدث في القدس من تجاوزات خطيرة ، من باب إيماننا الذي لارجعة فيه بلغة السلام والأمن والاستقرار والتسامح والعيـش المشترك، نديـن في ذات الآن كل من حول القضية الفلسطينية إلى قضية للمساومة والابتزاز والمتاجرة والاسترزاق السياسي، من أنظمة قائمة وأحزاب وتيارات، فكم من دولة أو نظام أو حتى حزب، يترافع في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ويخرج إلى الشوارع دفاعـا عن القضية باسم الدين والقومية والعروبة، لأهداف وغايات مكشوفة، ويتـنـكر للقضية في الخفاء، وبعضه ينـدد بإسرائيل في العلن ويطبع معها في الخفـاء أو على الأقل يعلن “الهدنة” معها، بل هناك أنظمة عربية وإسلامية بعينها، لم تعـد تجد حرجا في إثـارة القـلاقل والدسائس ونشـر أسباب التفرقة والتشرذم والانفصال داخل الوطن العربي، وفي نفـس الآن، لا تجد حرجا في تبنـي خطاب الدفاع عن فلسطيــن، وأنظمة من هذا القبيل، هي أخطـر على الأمن القومي العربي وهي أكبـر عائـق أمام إدراك الأمن والسلام والتعايش والتسامح.

ويكفي تأمل التحركات الإيرانية “غير البريئة” في المنطقة العربية، ويكفي تقدير عمق العـداء الخالد للمغرب ولوحدتـه الترابيـة من قبل من يتحكم في أزرار السياسة الجزائريـة من “الكابرانات”، لنخـرج بخلاصة مفادها أن بعض الأنظمة العربية والإسلامية هي أشد خطرا وأشد قسـوة على العرب وعلى أمنهم القومي والاستراتيجي، لأنها قاتلة للتنميـة والرخاء والأمن والاستقرار، وراعية للتفرقة والتشرذم والانفصال، ومكرسة لمشاهد الضعـف والهــوان، ونـرى أنـه آن الأوان لقطـع الطريق أمام كل من حول القضية الفلسطينية إلى قضية للمتاجرة والاستـرزاق والتسـول والابتــزاز، أمام كل من يحـــرم الشعب الفلسطيني المكافح، مـن فــرص السلام والأمن والاستقـرار والحيـاة، وهذا يفــرض تقويـة “جبهـة السلام”، فلا أمـن ولا استقــرار لإسرائيل ولفلسطيـــن وللعرب، إلا بالسلام ومع السلام، وبسيـف السـلام، تقطــع “ذيــول” من ألــف الاستــرزاق الرخيـص والابتــزاز البئيــس، واعتــاد إثــارة كل أسباب التفرقة والتشــرذم والانفصـال في ربوع الوطن العربي … على أمل أن تستعجل “إسرائيل” تصحيح الصورة، وتقـدر القيمة الأمنية والاقتصادية والاستراتيجية لما حققته من تطبيع وسلام مع دول عربية وازنـة من قبيل “المغرب”، وتدرك أن “التطبيع الحقيقي” مع العرب، يمر أولا عبر إدراك السلام العادل والشامل والدائم مع الفلسطينيين، وأن تدرك أيضا، أن ضريبة العنف أو التصعيد أو حتى الحرب، لن تكــون إلا باهظة .. باهظة جدا …، ونختم بالترحم على شهداء القدس، وبأن نتمنى من الله عز وجل أن يقي هذا البلد الأمين، شر الحاقدين والحاسدين والطامعين والمتربصين والمشوشين …

وتزامن المقال مع احتفاء الشعب المغربي على التوالي بالذكرى 65 لتأسيس القوات المسلحة الملكية والأمن الوطني، يفرض الوقوف إجلالا واحتراما وتقديرا لكل الجنود المغاربة الأحرار المرابطين على طول حدود المملكة الشريفة من طنجة إلى لكويرة، والذين يضحون بالغالي والنفيس دفاعا عن الأرض ووحدة التراب، في ظل إصرار الأعداء والحاقدين والمتربصين على نهج عقيدة العداء الخالد للمغرب ووحدته الترابية، وبتحية كل الشرفاء والنزهاء من نساء ورجال الأمن الوطني وباقي الأجهزة الأمنية الأخرى، لما يقومون به من أدوار ومهام جسيمة في سبيل تحقيق نعمة الأمن والاستقـرار، وكلهم جميعا جنود الوطن وعيونه التي لا تنام، وإذ، نبارك لقواتنا العسكرية والأمنية بمناسبة عيدها الوطني، نستحضر ما وصلت إليه الأجهزة العسكرية والأمنية المغربية من حرفية ومهنية وكفاءة ونجاعة، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة المغربية، وهي بذلك، تستحق أن تنعم بكل شـروط الدعم والعناية والتحفيز المهني والاجتماعي والنفسي، حتى تضطلع بمهامها وأدوارها في إطار من الأريحية والجاهزية والمسؤولية والتضحية والوفاء والإخلاص للثوابت الوطنية وللشعار الخالد “الله” ..”الوطن”..”الملك”.

الاخبار العاجلة