عدم توصل الطاعن بمقرر اللجنة المحلية لتقدير الضريبة بين النص القانوني والموقف القضائي

27 يونيو 2022آخر تحديث : الإثنين 27 يونيو 2022 - 6:51 مساءً
admintest
سلايدرملفات قانونية
عدم توصل الطاعن بمقرر اللجنة المحلية لتقدير الضريبة بين النص القانوني والموقف القضائي

بقلم :المختار السريدي*

إن الكاتب المقرر للجنة المحلية لتقديرالضريبة الذي يمثل الإدارة في حظيرة هذه اللجنة و الذي يتم تعيينه من بين أطر المديرية العامة للضرائب حسب ما جاء في التعديلات الجديدة لقانون مالية سنة 2022 ،هو من تقع على عاثقه مهمة استدعاء أعضاء اللجنة الثلاثة الباقين للإجتماع و هو رابعهم ، وهو من يستدعي أيضا الطرفين المتنازعين الخاضع للضريبة و مفتش الضرائب من أجل حضور أشغال اللجنة ، وهو من يحرر المقررات الصادرة عن اللجنة و يتكلف بتبليغها إلى الأطراف ، داخل آجل قانونية محددة ، وبالتالي فهو عنصر أساسي و فعال داخل اللجنة بحيث لا يمكن تصور تشكيلتها دون حضوره رغم عدم تأكيد النص القانوني على ذلك ، بل أن بعض القضاة رؤساء اللجان المحلية من يرفع الجلسة أو يؤجلها إذا تغيب الكاتب المقرر أو تعذر عليه الحضور ، و هذا يستدعي أن يتم تعيينه من خيرة الأطر و علِّية المفتشين وأن يكون على بينة و دراية تامة بالنصوص القانونية و الجبائية و صاحب تجربة مهمة و كفاءة كبيرة في الميدان تؤهله لأن يكون مستشارا للقاضي و للجنة المحلية قبل أن يكون مقررا و أن يكون حكًما عدلا قبل أن يكون عضوا عاديا يتمتع فقط بصوت تداولي .

وعليه فإنه إذا لم يتوفَّق الكاتب المقرر في ضبط مسطرة الإستدعاءات والتبليغات الموكلة إليه بمقتضى المادتين 219 و225 من المدونة العامة للضرائب فإنه لن يستطيع أن يأْمن الملف الذي بين يديه من كل ما قد يتعرض له من إبطالات وإلغاءات ، كما أن الإستدعاء أو التبليغ سواء وقع أو تعذر، وسواء تم بكيفية قانونية سليمة أو بكيفية معيبة ، هو الذي يحدد مصير و مآل العديد من الملفات الضريبية موضوع الطعون .

فالتبليغ إذن هو إجراء قانوني محدد في الزمان وحتى المكان ، لايحسنُه إلا كاتب مقرر متمكِّن ، الهدف منه إستدعاء الأطراف قصد الحضور والدفاع عن حقوقهم و إخبارهم بحقوقهم و واجباتهم و تسليمهم ما توصلت إليه اللجنة من مقررات .

ورغم بعض العراقيل والصعوبات والمعوقات والإكراهات التي قد تقف حجر عثرة أمام الكاتب المقرر فيما يخص السير الحسن و السليم لمسطرة التبليغ ، إلا أن المشرع الضريبي كان فطنا وحكيما و حاضرا بقوة عند إعداد وصياغة النصوص المنظمة للمسطرة المذكورة ، هذه المسطرة التي تعد ضمانة أساسية لحقوق الخاضع للضريبة والإدارة الضريبية على حد سواء .

جاء في المادة 219 من المدونة العامة للضرائب في فقرتها الأولى ما يلي :

” يتم التبليغ بالعنوان المحدد l’adresse indiquée من قبل الخاضع للضريبة في إقراراته déclarations أوعقوده actes أومراسلاته correspondances المدلى بها إلى مفتش الضرائب التابع له مكان فرض الضريبة عليه ، إما برسالة مضمونة مع إشعار بالتسلم lettre recommandée avec accusé de réception أو بالتسليم إليه remise en main propre بواسطة المأمورين المحلفين التابعين لإدارة الضرائب أو أعوان كتابة الضبط أوالمفوضين القضائيين أو بالطريقة الإدارية .”

و بالمقابل نصت الفقرة الأولى من المادة 37 من قانون المسطرة المدنية وهو قانون المسطرة الأم على ما يلي : ” يوجه الإستدعاء بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط أو أحد الأعوان القضائيين أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو بالطريقة الإدارية .”

فمن خلال قراءة متأنية للمقتضيات الواردة بالمادة 219 المذكورة يتبين أن إرسال وتوجيه التبليغات يجب أن يتم على العنوان المحدد أو المعين أو المذكور أو المشار إليه من قبل الخاضع للضريبة سواء :

– في إقراراته وتصريحاته المودعة لدى الإدارة التابع لها مكان ربط وتأسيس و مراقبة الضريبة .

– أو في مختلف العقود والإتفاقات والمحررات التي يتم إيداعها لدى الإدارة الجبائية المختصة ، إما تعزيزا لإقراراته وتصريحاته ، وإما إثباتا لبعض الحالات أو تعديلا لبعض الوضعيات أو من أجل الإستفاذة من بعض الرخص أو الخدمات أو القيام ببعض الإجراءات كإجراء التسجيل مثلا…

– أو في مختلف مراسلاته التي يوجهها إلى الإدارة قصد إطلاعها أوإخبارها بأي تغيير قد يكون له تأثير على الواجبات المزمع فرضها عليه ، أو على مجموع الوضعية الجبائية ، أو جوابا على الرسائل أو الإشعارات التي تبعثها هذه الإدارة إليه …

لكن قد يتعذر في بعض الأحيان تسليم الطي الضريبي n’a pu être remis إلى الخاضع للضريبة بالعنوان المحدد في إقراراته أوعقوده أومراسلاته المدلى بها إلى الإدارة ، عندما يتم توجيه الطي في رسالة مضمونة مع الإشعار بالتسلم أو عن طريق المفوضين القضائيين أو بالطريقة الإدارية ، ويرجع إلى الجهة المرسلة مذيلا من طرف مصالح البريد بإحدى الصيغ أوالعبارات أوالبيانات التالية :

1- غيرمطالب به ……………. Non réclamé

2- انتقل من العنوان ………….Changement d’adresse

3- عنوان غير معروف…………..Adresse inconnue .

4- عنوان غير تام ……………. Adresse incomplète

5- أماكن مغلقة أو مقفلة ……… Locaux fermés

6- خاضع للضريبة غير معروف بالعنوان ………. Contribuable inconnu à l’adresse indiquée.

في هذه الحالات الستة المذكورة بالمادة المشار إليها على سبيل الحصر لا المثال ، يعتبر الظرف مسلما تسليما صحيحا بعد انصرام أجل العشرة (10) أيام الموالية لتاريخ إثبات تعذر التسليم .

وفي هذا الإتجاه جاء في المادة 39 من قانون المسطرة المدنية في فقرتها الثانية ما يلي : ” إذا تعذر على المكلف بالتبليغ أو السلطة الإدارية تسليم الإستدعاء لعدم العثور على الطرف أو على أي شخص في موطنه أو محل إقامته ، ألصق في الحين إشعارا بذلك في موضع ظاهر بمكان التبليغ ، وأشار إلى ذلك في الشهادة التي ترجع إلى كتابة ضبط المحكمة المعنية بالأمر ” .

ورغم تعدد حالات رجوع الرسائل المضمونة مع الإشعار بالتوصل كما سلف القول ، فإن أغلب الرسائل تعود بعبارة ” غير مطالب به ” وهي عبارة تفيد بأن إدارة البريد توجه إشعارا إلى صاحب الطي الضريبي قصد سحب طيه في أجل معين و إلا قامت بإرجاعه إلى الجهة المرسلة مذيلا بتلك العبارة ، وذلك حتى لا يبقى هذا النوع من الرسائل متراكما لديهم ينتظر ساحبا قد يأتي وقد لا يأتي .

وقد وقف القضاء المغربي موقفا متباينا من المسألة ، بين من يقول بأن رجوع الرسالة وهي تحمل عبارة ” غير مطالب به ” هو بمثابة توصل وهو موقف قديم لم يعد يتماشى والصحوات القانونية والحقوقية التي بدأت تشهدها الأنظمة والتشريعات للعديد من البلدان الديمقراطية ، وبين من يقول بأن رجوع الرسالة بتلك العبارة لايعد تبليغا بالمعنى القانوني للكلمة حيث لابد من وجود الإثباتات القوية والمنطقية والكافية قبل أي فرض ضريبي .

فقد جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى تحت عدد 23 بتاريخ 27 دجنبر 1978 في الملف المدني عدد 67/701 أنه ” إذا رجعت الرسالة المضمونة مؤشرا عليها بعبارة – غير مطلوب – فإنه لا يصح اعتبارها بمثابة توصل كما هو الحال بالنسبة لرفض التسلم الذي يعطي لعبارة -غير مطلوب – صبغة رفض التسلم يكون مرتكزا على تعليل خاطئ يستوجب النقض ” ، وجاء في قرار ثان : ” أن الدفع المتعلق بكون عبارة – غير مطلوب – الواردة على غلاف الإنذار لا تعني أن المرسل إليه قد توصل بالإنذار أو رفض تسلمه وهي نقطة تتعلق بالواقع لا تخضع لرقابة المجلس الأعلى لا يسمح لإثارتها لأول مرة أمام المجلس الأعلى ” .

إلا أن المحكمة الإدارية بأكادير كان لها رأي مخالف ونحت منحى آخر عكس ما ذهبت إليه محكمة النقض ، حيث جاء في حكم صادر عنها تحت رقم 818 في الملف عدد 2020/7113/1100 بتاريخ 01 أبريل 2021 :

” وحيث أنه بالرجوع إلى وثائق الملف تبين للمحكمة بأن رسالة تبليغ مقرر اللجنة المحلية لتقدير الضريبة بتارودانت للمدعية رجعت بملاحظة غير مطالب به وذلك بتاريخ 17-10-2019 ، وأنه إعمالا لمقتضيات المادة 225 من المدونة العامة للضرائب التي تنص على أن تبليغ مقررات اللجان الضريبية يتم طبقا لمقتضيات المادة219 من المدونة المذكورة ، فإن التبليغ يكون صحيحا ومنتجا لآثاره بعد انصرام أجل 10 أيام من تاريخ رجوع الرسالة بملاحظة غير مطالب به .

وحيث أنه باحتساب التاريخ المعتبر لتوصل المدعية بمقرر اللجنة المحلية لتقدير الضريبة وهو 27-10-2019 وتاريخ تقديم الدعوى في 18-08-2020 ، يتبين أن المدعية قدمت دعواها خارج أجل الستين (60) يوما من تاريخ تبليغها المقرر وحيث تبعا للمعطيات والعلل الواردة أعلاه ، تكون الدعوى مختلة من الناحية الشكلية ، مما يتعين معه الحكم بعدم قبولها .”

هذا التعارض في مواقف القضاء بين المحاكم الدنيا وبين أعلى هيئة قضائية يجعلنا نسلم بالقول أن رجوع الطي الضريبي بعبارة ” غير مطلوب أو غير مطالب به ” لا يمكن أن نعتبره توصلا أو عدم توصل ، خصوصا وأن المسألة تبقى ” مسألة واقع ” متروك تقديرها لسلطة محكمة الموضوع و لا رقابة على ذلك من طرف محكمة النقض إلا فيما يتعلق بتطبيق القانون ، لما في ذلك من حفظ وحماية لحقوق الخزينة و لحقوق الخاضعين للضريبة الذين لم يتمكنوا من التوصل بمقررات اللجنة المحلية لتقدير الضريبة لسبب من الأسباب أو لظرف من الظروف حيث يمكنهم إثبات هذا السبب أو هذا الظرف في مواجهة اللجنة كأن يكونوا غير متواجدين بالعنوان الموجود على ظهر الرسالة أثناء توجيه المقرر أو لم يتم العثور عليهم أو على من ينوب عنهم في العنوان المذكور بسبب سفر أو شغل أو مرض أو طارئ أو أي عذر من الأعذار الصحيحة التي يمكن إثباتها بمختلف وسائل الإثبات الممكنة و المتوفرة .

و كما سلف القول فقد استقر قضاء محكمة النقض على ضرورة التشبت بقواعد قانون المسطرة المدنية باعتبارها قانون المسطرة الأم بالنسبة لجميع المساطر ، في فض العديد من المنازعات الجبائية التي يكون موضوع الطعن فيها هو إجراءات التبليغ ، والإلتفاف على النصوص والمقتضيات الواردة بالمدونة العامة للضرائب ، والحال أن هذه المقتضيات الأخيرة هي الواجبة التطبيق لكونها نصوصا خاصة وذات طبيعة خاصة ، والنصوص الخاصة ترجح دائما على النصوص العامة ، و لا يمكن اللجوء إلى النصوص العامة إلا في حالة قصور أو سكوت النصوص الخاصة ، هذه الأخيرة التي تبدو تقنية ومعقدة وتتغير كثيرا بل وترهق قضاة الموضوع الذين قد يجدون في أحيان كثيرة صعوبة كبيرة في فك شفراتها ومواكبة تعديلاتها المتجددة والمستمرة .

فما دام أن المشرع الجبائي تكلم بما فيه الكفاية عن مسطرة التبليغ بالمادة 219 من المدونة العامة للضرائب وهي التي يجب على الكاتب المقرر للجنة المحلية لتقدير الضريبة التقيد بها والعمل تطبيقا لمقتضيات المادة 225 من نفس المدونة والتي أحالت عليها كلما تعلق الأمر بتبليغ من التبليغات ، فلا حاجة في نظرنا للإحتكام لنصوص المواد 37-38-39 من قانون المسطرة المدنية التي لاتختلف فيما بينها كثيرا اللهم إلا إذا كان للقضاء رأي آخر .

ولكن مع ذلك يبقى المشرع الضريبي ملزما بأن يواكب التعديلات التي عرفتها المادة 39 من قانون المسطرة المدنية وأن يحذو حذوها خاصة فيما يتعلق بإلصاق الطي الضريبي في مكان ظاهر بالمحلات الخاضعة للضريبة حينما يتعذر تسليم الرسالة إلى الخاضع للضريبة بالعنوان المحدد في إقراراته أوعقوده أومراسلاته المدلى بها إلى الإدارة عندما يتم توجيه الطي في رسالة مضمونة مع الإشعار بالتسلم أوعن طريق المفوضين القضائيين أو بالطريقة الإدارية ، ويرجع إلى الجهة المرسلة مذيلا من طرف مصالح البريد بإحدى الصيغ أوالعبارات أوالبيانات المذكورة بالمادة 219 من المدونة العامة للضرائب.

* باحث في المنازعات الضريبية

الاخبار العاجلة