صفعة “تقرير المصير”

20 يوليو 2021آخر تحديث : الثلاثاء 20 يوليو 2021 - 8:51 صباحًا
admintest
كتاب وآراء
صفعة “تقرير المصير”

بقلم: عزيز لعويسي

طيلة سنوات، بل وطيلة ما يزيد عن الأربعة عقود من الزمن، ظل المغرب واضعا أعصابه في ثلاجة منيعة وحصينـة، محافظا على مستويات ودرجات عليا من الانضباط والتعقل والرصانة والتبصر، في تعامله مع نظام جـار فاقد للبوصلة تماما، ظل وفيا على الدوام لعقيدة العداء الخالد للمغرب ولوحدته الترابية، عبـر خلق واحتضان ودعـم “مرتزقـة انفصالية وهمية” سخرت وتسخر بدون حرج أو حياء في معاداة المغرب وتهديد أمنه ووحدته واستقـراره.

تهور واستفزاز نظام الكابرانات بلغ مداه منذ التورط في فضيحة “محمد بن بطوش” التي ارتقت إلى مستوى الجريمة الماسة بالقانون والقضاء والحقوق والأخلاق، حيث تعالت أصوات الاستفزاز وارتفع منسوب نهيق التحرش، إلى حد أن كل التصريحات الرسمية بات يتحكم فيها خطاب العداء الخالد للمروك، ويكفي أن نشير – على سبيل المثال لا الحصر- إلى الاستقبال الذي حظي به مجرم الحرب “غالي” مباشرة بعد وصوله إلى الجزائر فـارا من إسبانيا، وما ورد – حينها – في كلمة “تبون” من تصريح مستفز للمغرب بالمباشـر، وما جاء على لســان رئيس الكابرانات “شنقريحة” في المؤتمر الدولي للأمن المنعقد قبل أسابيع بروسيـا، حيث استغلها فرصة للهجوم المباشر على المغرب والمساس بوحدته الترابية، معبرا بذلك عن “عقدة المروك” التي تطارده كالشبح في الحركات كما في السكنات.

هي فقط أمثلة من ضمن أخرى كثيرة لايسع المجال للنبش في جزئياتها وتفاصيلها، لايمكن فهمها إلا في ظل نظام غبي ومتهور جعل من العداء للمغرب “عقيدة خالدة” عصية على الفهـم والإدراك، يسخـر فيها إعلام منبطح تمادى طيلة عقود في استهداف المغرب بكل الطرق والوسائل القدرة، والتي وصلت منتهاها بالمساس قبل أشهر، بالرموز والثوابت الوطنية، وفي ظل هذا المسلسل الطويل من العداء والاستفزاز، ظل المغرب على الدوام وفيا لدبلوماسية التعقل والتبصر، وكان بإمكانه أن ينخرط في نفــس لعبة الانحطاط والحقارة في إطار حق الرد بالمثل، من قبيل دعم شعب القبائل والاعتراف العلني لـه بحقـه في تقرير المصير وخلق تمثيلية دبلوماسية له بالمغرب، وفتح المجال للمعارضين الجزائريين أمام الإعلام الرسمي المغربي وقطع العلاقات الدبلوماسية بشكل لارجعة فيــه … إلخ، لكن المغرب لم يفعل، مراعاة لحسن الجوار وتقديـرا لما يربط الشعبين الشقيقين المغربي والجزائري من أواصر القرابة والدم والدين والعروبة والمصير المشترك، أمـلا في أن يظهر في الجارة الشرقية “حكماء” يعيدون العلاقات المغربية الجزائريـة إلى وضعها الطبيعي.

في ظل ارتفاع نهيـق التحرش والاستفزاز وارتفـاع سعار العداء المباشر للمغرب ووحدته الترابية، يكـون الصبر قد بلغ مداه و “السيل بلغ الزبـى”، فكـان لابد من الرد القاسي في إطار “العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم”، بما يضمن وضع حد لتهور وانزلاقات كابرانات الســوء، وفي هذا الإطار كان رد “عمر هلال ” السفير الممثل الدائم للمملكة لدى الأمم المتحدة جريئا وحادا، وهو يرد على وزير الخارجية الجزائري الجديد “رمطان لعمامرة” – خلال انعقاد قمة دول عدم الانحياز- قـائلا : “إن الذي يقف كمدافع قوي عن حق تقرير المصير ينكر هذا الحق نفسه لشعب القبائل، أحد أقدم الشعوب في إفريقيـا، والذي يعاني من أطول احتلال أجنبي”، مضيفا في نفــس السياق أن تقرير المصير “ليس مبدأ مزاجيا، ولهذا السبب يستحق شعب القبائـل الشجاع، أكثر من أي شعب آخر، التمتع الكامل بحق تقرير المصير”.

ما قاله ممثل المغرب، لم يكن تصريحا عابرا أو ردا حماسيا، بل كان صفعة قوية ما بعدها صفعة لنظام بئيس يقـوده غباؤه إلى حافة الإفــلاس، كان من الطبيعي أن تحرك الداخل الجزائري وترفع من جرعات الإدانة والرفض والتنديد في أوساط الأعداء الخالدين الذين لم يجدوا مخرجا سـوى استدعاء سفيرهم بالرباط على وجه السرعة للتشاور، وهذه الصفعة “غير المتوقعة”، كان لها بالمقابل صدى طيبا في أوساط القبائل، تجسد من خلال كلمة ألقاها “فرحات مهني” رئيس “الحركة من أجل تقرير المصير في القبائل” ثمن فيها الموقف المغربي “غير المسبوق” الداعم لحق شعب القبائل في تقرير المصير، وهذا يعد متغيرا مفصليا في تاريخ الدبلوماسية المغربيـة التي انتقلت إلى مستوى الحزم والصرامة والردع والصراحة والواقعية، في تعاملها مع جيران الســوء، الذين لم ييأسوا ولم يتعبـوا من معاداة الوطن والمساس بوحدته الترابية، باسم “تقرير مصير” جمهورية وهمية لاتوجد إلا في العقول الصغيرة للأعداء الخالدين .

وزير الخارجية الجزائري الجديد، حاول التسويــق الغبي لأضحوكة “تقرير المصير” في أوساط منظمة عدم الانحياز، في إطار دبلوماسية جزائرية “خارج النص” مبرمجة بكل هستيريا على “مهاجمة المروك” واستفزازه في كل الظروف والمناسبات، ولم يكن يظن ومن يتحكم في كلماته ومفرداته، أن ” السحر سينقلب على الساحر”، بعدما حشـره ممثل المغرب في الزاوية الضيقة، كاشفـا عن عـورة ما يـتـبنــاه النظــام الجزائري من ادعـاءات مكشوفـة بخصوص “تقرير المصيـر” لـشـعـب مرتـزق وهمي غيـر معتـرف بـه لا مغاربيـا و لا عربيـا ولا إفريقيـا ولا دوليـا ولا وجـود له إلا في أذهان دعــاة الوهم والانفصـال، بينمـا يتـم إنكــار هذا الحـق علـى شعب القبائل الذي يعـد من أقـدم شعوب إفريقيــا، الأمر الذي يجعلـه يستحـق هذا الحق المشروع أكثر من غيـره، وفي هذا الإطـار، فإذا كان النظـام الجزائـري يدعي مساندة الشعوب في تقرير المصير ويعــزف على وثــر نصــرة قضيـة فلسطين خلافا للواقـع ، فلمـاذا ينكـر هذا الحـق على “شعب القبائل”، بـل لمـاذا توجــس وجـن جنونـه، لمـا أثــار ممثل المغرب قضيــة تقرير مصير الشعب القبائلي؟

ودون الدخول في ظروف وملابسات الموقف المغربي التصريح الذي عبر عنه “عمر هلال”، ما هـو بـاد للعيـان أن المغرب، لم يستعمل إلا نفـس سلاح الانفصال الذي طالما تمـادى الكابرانات في إشهـاره في وجـهه بـدون حـرج أو حيــاء منذ مـا يزيد عن أربعـة عقـود، ومـع ذلك ظل المغرب صبـورا محافظا على ما يكفي من ضبط النفـس والاتـزان، أمـلا في حدوث أشبـه بالمعجـزة التي تذيب جليـد الحقد والعداء الخالـد، لكن عقيدة العداء كانت أقوى وأمـر، مما فـرض الانتقـال إلى مستـوى رد الفعل ومهاجمـة المتهوريـن بنفــس السـلاح الفتـاك، ولا يمكن إلا الأسف على واقع حـال العلاقات المغربية الجزائرية التي ستــزداد وبدون شك، تأزما وتعقيـدا وجمـودا، في ظل نظـام غبـي وعنيـد، يضحي بعلاقات حسن الجوار ولغـة المصالح المتبـادلة ورهانات التنميـة، ويعصف بأمن واستقــرار المنطقة، ويستنــزف كل قدرات ومدخرات الشعب الجزائري الشقيق، برهـانه الفاقد للبوصلة على “عصابـة إجرامية”، لا تصلـح لشــيء، إلا لتغذيـة عقيدة العــداء الخالد للمغرب وضرب استقراره ووحدتـه الترابيـــة.

ففي الوقت الذي نــتـواجـد فيه على بعد كيلومترات قليلة من الاتـحـاد الأوربي الذي يسعـى إلى الاندماج الشامل رغـم الاختلافات اللغويـة والمذهبية والعرقيـة لأعضـائه، وفي الوقت الذي تتجـه فيـه الدول العاقلة إلى الوحدة والتكتل لكسب رهانات التنمية والأمن والوحدة والاستقرار، يصـر نظام الكابرانات على دعم واحتضان الانفصال ونشر الفتـن والقلاقل والدسائـس وجـر المنطقة ككل إلى حالة من الفوضى والاضطـراب، وإذا رفع المغرب سـلاح “الانفصال” في وجه هذا النظام الخــارج عن التغطية، فلأنــه استنفــذ الصبـر ولـم يعد قــادرا على تحمل المزيـد من الاستفزازات والإهانات من جانب أعــداء السـوء، الذين آن الأوان ليتجرعـوا “سـم الانفصـال” ليحسـوا بما عانـاه المغرب منذ عقــود، بسبب حماقاتهـم وطيشهـم الدبلوماسي، لعـل وعسى يستوعبـوا أن المغـرب الذي أحـرج الإسبـان ووقف الند للند أمـام الألمـان، قــادر على الردع والإرباك والإحراج، مـا لم يكبحـوا جماح تهـورهم ويعيـدوا ترتـيب أوراقهــم، استحضارا لعلاقات حسن الجوار والمصالح المشتركة.

ولا يسعنا في خاتمة المقال، إلا أن نطالب الكابرانات في أن يتحلـوا بالعدل والمســاواة والواقعية، بـأن يمنحوا شعب القبائـل فرصـة التعبيـر عن الحق في تقرير المصيـر، على غـرار ما يسمونه بالشعب الصحـراوي الذي لا يتواجد إلا في عقولهم الصغيرة، لأن “تقرير المصير” هو مفهـوم غير قابـل لا للتجـزئ ولا للانتقائية وغير خاضع للمزاجية والأهــواء الشخصية والمصالح الضيقة، إذا كانوا يدركـون ماهية “الحق في تقرير المصير”، نذكرهم أن شعب القبائل يعـد من أقـدم الشعوب في إفريقيــا، مما يجعله الأحـق دون غيـره بتقرير المصيـر.

كان بالود ألا ندخل في أي نقـاش من هذا القبيل احتراما للشعب الجزائــري الشقيق، وكان بالود أن نفتح نقاشات أخــرى مرتبطـة برهانات التنميـة والتعاون المشترك والاندماج الاقتصادي البـيــنـي، بـمـا يضمـن تحقيق الأمن والوحدة والاستقـرار والرخاء والازدهــار، والتصدي المشترك لكل التحديات القائمة والمحتملة، لكـن نـتأسف مجددا، لأن الجغرافيـا وضعتنا جنبـا إلى جنب مـع “جار عدو ماكر” بـات المغرب كابوسه المزعـج آنـاء الليل وأطراف النهـار، أصبحت الحاجة ملحة للتعامل معـه بنفــس الأدوات وإن كانت “قـدرة”.

وإذا لوح المغرب بورقة “القبائل”، فلأنـه “مرغـم على ذلك، لا بطـل”، ومهما قيل أو يقال، فالمغرب في صحرائه والصحراء في مغربها، آمنـة مطمئنة، تنعم بالأمن والاستقرار والكرامة والتنمية والرخــاء على غــرار ما تعيشه مدن وأقاليم وجهات المملكة، ويؤسفنا أخيـرا أن النظام الجزائري، يقـوده غبـاؤه وتهـوره ومغامراته غير المحسوبة العواقـب، إلـى المزيـد من البــؤس والإقصـاء والإفـــلاس، والضحية لن يكون إلا “الشعب الجزائري الشقيق” الـذي نتمنـى لـه كل الخيـر والهناء والازدهـار والأمن والاستقرار في ظل سلطة حاكمة عاقلـة ورصينـة ومتبصـرة.

الاخبار العاجلة