الطريق إلى محطة فاتح ماي

17 أبريل 2023آخر تحديث : الإثنين 17 أبريل 2023 - 7:18 صباحًا
admintest
كتاب وآراء
الطريق إلى محطة فاتح ماي

بقلم: عزيز لعويسي

تحركت ناعورة الحوار الاجتماعي، بالاستقبال الذي خص به رئيس الحكومة، زعماء النقابات الأكثر تمثيلية، على بعد أقل من أسبوعين من محطة فاتح ماي، في سياق اقتصادي واجتماعي، موسوم بالقلق والتوتر والاحتقان، بسبب جائحة الغلاء، التي لازالت تفرض سلطتها المطلقة على فئات عريضة من الموظفين والأجراء من ذوي الدخل المتوسط والمحدود، وشرائح واسعة من البسطاء والفقراء والمعوزين والغلابى، الذين لا حول لهم ولا قوة، في غياب الحلول الممكنة القادرة على إنقاذ القدرات الشرائية من انهيار وشيك؛

حكومة “التحالف الثلاثي” التي طالما رددت شعار “الحكومة الاجتماعية”، مطالبة أولا باستحضار محنة المواطنين مع عداد الأسعار، الذي ألقى بالكثير منهم نحو عتبات الفقر والبؤس والخصاص والجوع، وتقدير تداعيات هذا الوضع الاجتماعي المقلق، على السلم الاجتماعي وتماسك الجبهة الداخلية، وعلى صورة المغرب بالخارج، ومطالبة ثانيا، بالانخراط بحسن نية، في حوار اجتماعي مسؤول مع الفرقاء الاجتماعيين، من شأنه الدفع في اتجاه تقديم حزمة من الإجراءات والتدابير الاجتماعية، القادرة على دعم القدرة الشرائية واسترجاع الثقة المفقودة وإحياء الأمل، في مقدمتها التعجيل بإقرار زيادة عامة في الأجور والتخفيض الضريبي، لتخليص الموظفين والأجراء مما باتوا فيه من محن وأزمات اجتماعية، مع الكف عن إنتـاج السياسات والإصلاحات الماسة بالقدرة الشرائية والمكرسة لليأس والإحباط وفقدان الثقة، ونخص بالذكر مشروع إصلاح أنظمة التقاعد، الذي من المرتقب – إذا ما تم اعتماده بنفس التخريجة المتداولة -، أن يحكم على فئات واسعة من المتقاعدين، بقضاء ما تبقى من العمر، أمام حضرة الفقر والبؤس والشقاء، وهذا يتناقض تماما، مع أهداف النموذج التنموي، ومضامين ورش الحماية الاجتماعية، ويتنافى مع ما يتطلع إليه جلالة الملك محمد السادس، من رهانات تنموية كبرى، من شأنها وضع المغاربة قاطبة، في صلب الإقلاع التنموي الشامل؛

النقابات الأكثر تمثيلية، وبدل أن تتوحد وتمد اليد إلى بعضها البعض، استحضارا للسياق الاجتماعي الصعب، وتقديرا لتداعيات ذلك، على الشغيلة في القطاعين العام والخــاص، لانتزاع مكاسب وحقوق مسلوبة قبل فاتح ماي، فضلت كل واحدة النضال وفق ما تشتهيه سفينتها، تارة بالمهادنة والمحاباة، وأخرى بتفادي الضغط على الزناد في موسم الحوار الاجتماعي، طمعا أن تجود الحكومة بمكتسبات، تثلج صدر الشغيلة قبل عيدها العالمي، وثالثة بقلب الطاولة بعيدا عن كراسي الحوار الاجتماعي، باللجوء إلى إشهار فيتو الإضراب العام؛ في وجه حكومة ينطبق على حالها المثل الشعبي القائل “ماقدها فيل، زادوها فيلة”؛

وهذه التفرقة النقابية، تضر بالشغيلة وتضعف من موقف النقابات على مستوى الحوار والتفاوض، مما يمنح الحكومة فرصا وإمكانيات لفرض خطتها وأسلوب لعبها في ملعب نضالي، ينتظر فيه اللاعبون/النقابيون، ما سيجود عليهم رئيس الحكومة وصحبه، من حلول ومقترحات على المقاس، أما الشغيلة، فهي تلعب دور الكومبارس عن بعد، مترقبة ما ستجود به الرياح المرسلة لحــــوار اجتماعي، تتحكم فيه هواجس اقتصادية ومالية صرفة، أكثر ما تتحكم فيه هواجس إنقاذ القدرة الشرائية ودعم التماسك الاجتماعي وتقوية الجبهة الداخلية؛

الشغيلة في القطاعين العام والخاص، لم يعد أمامها من خيار، إلا الالتفاف حول النقابات المصابة بطيكوك التشرذم، لدعمها، حتى تنجح وتتفوق في امتحان اجتماعي شاق وعسير “يعز فيه المرء أو يهـان”، أما الحكومة الاجتماعية، فامتحانها أصعب أكثر مما تتصور، بدليل أن المغاربة وربما لأول مرة، خرجوا إلى الشــوارع احتجاجا، ليس من أجل الحقوق ولا الحريات ولا السكن ولا الشغل، ولكن طلبا لإنقاذهم من الفقر والبؤس والجوع، في ظل جائحة غلاء، تجاوزت جائحة كورنا، قوة وبأسا وقسـوة، ونأمل أن تتحلى الحكومة، بروح المواطنة، وتقلع عن خطاب “العام زين” إن لم نقل خطاب “التعالي والاستفزاز”، وتتحرك بحسـن نية ومصداقية، من أجل الإسهام الفعال والناجع في إنجاح الحوار الاجتماعي، ليكون فاتح ماي، فرصة للاحتفاء، ومناسبة لتجديد الثقة مع المواطنين، ولحظة للأمل، في زمن البؤس واليأس وانسداد الأفق؛

ونختم بالقول، بما أن الطريق إلى محطة فاتح ماي، تطبعها طقوس “النظام الأساسي لموظفي التعليم” الذي يرتقب الكشف عن هويته أواخر شهر أبريل الجاري، فمن الواجب التذكير أن هذا النظام المرتقب، لابد أن تتوفر فيه شروط التحفيز والعدالة والإنصاف، بما يضمن النهوض بالأوضاع المادية والتحفيزية والمهنية للشغيلة التعليمية، ليــس فقط، لإطفاء جمرة الاحتقان في القطاع بشكل لارجعة فيه، وتوفير بيئة مثلى لتنزيل الإصلاح الذي وعدت به خارطة الطريق، ولكن أيضا، لأن الجواز الآمن والسلس إلى مغرب التنمية والقيم والكرامة والعدالة الاجتماعية، لايمكن أن يتحقق، إلا في ظل مدرسة عمومية عصرية “آمنة” و”مستقرة” و”محفزة”، تقدم عروضا تربوية وبيداغوجية لائقة، قادرة على صناعة الإنسان/المواطن/الصالح، وحماية بيضة المواطنة، وهذه الصناعة وحدها، القادرة دون غيرها، على القطع مع الفساد والعبث والانحلال، وبنـاء أسس ودعامات “مغرب ممكن”، يستحق أن يلحق بركب البلدان الراقية والمزدهرة، وهذا ليس بعزيز على مغرب التاريخ والحضارة والشرفاء والعلماء والمفكرين والصلحاء والنزهاء…

الاخبار العاجلة