الجزائر دولة لا ترى “شعبها” الا في المدرجات !!

24 يناير 2023آخر تحديث : الثلاثاء 24 يناير 2023 - 6:55 صباحًا
admintest
كتاب وآراء
الجزائر دولة لا ترى “شعبها” الا في المدرجات !!

ذ.محمد بادرة

تعيش الجزائر منذ استقلالها جملة من التراكمات السلبية زادت من تعقيد الاوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية وتأزيمها وصارت الازمة متعددة الاوجه والابعاد لم تسعف من الحد منها كل الثروات النفطية والغازية المنهوبة ولا اجراءات ” الجنرالات والكبرانات ” المتشددة التي التمستها بقوة القمع وقوة الوهم بذاكرة “الثورة والتحرير” من اجل تجاوزها وتخطيها، لا بل تبين ان كل الوسائل والامكانات المادية والدعائية التي سخرتها السلطة الحاكمة الظاهرة منها والخفية كانت في غير محلها وانها ليست من جنس الازمة ولا من صلب المرحلة التي تمر بها الجزائر شعبا وكيانا.

ان القيادات العسكرية الانقلابية التي جاءت بعد الاستقلال الى الان لم تسمح لكل الاطراف والكيانات السياسية والحزبية والثقافية والجمعوية التي ساهمت في النضال والمقاومة السياسية والمسلحة (بوضياف – ايت احمد …) باستكمال التأسيس وبناء الدولة عن طريق الشرعية الدستورية- الديموقراطية لا عن طريق الشرعية ” الثورية”. ولقد كان الخطاب الثوري العنيف الذي واجهت به الحركة الوطنية الجزائرية الاستعمار هو نفسه الذي استعملته السلطة الانقلابية العسكرية مع الشعب وثواره وقادته الوطنيين الرافضين للديكتاتورية “الثورية” والعسكرية، وبدلا من سيادة منطق البناء السلمي للمجتمع والدولة ساد المنطق الاقصائي والتخويني ضد الوطنيين الحقيقيين، فلا اليسار الجذري (حزب العمال) ولا اليمين البورجوازي ولا الاحزاب ذات التوجه الامازيغي ولا التيار الاسلامي المحافظ والسلفي (الجبهة الاسلامية للانقاد) وغيرها من التيارات الرافضة لم تتمكن من المشاركة في البناء السلمي للدولة والسلطة المدنية لتستمر سلسلة الانقلابات 1962-1965-1992 هذه الانقلابات التي قادتها قيادة الاركان لجيش التحرير الوطني كانت عنيفة مما حرف مجرى الثورة الجزائرية وافرز نظاما توليتا ريا – عسكريا افضى بالجزائر الى ماهي عليه اليوم من الاخفاقات المتلاحقة والتجارب الفاشلة وهو تعبير عن خلو التاريخ السياسي الجزائري من الرصيد الديموقراطي وان الدولة الجزائرية ليست في النهاية اكثر من دوائر (الجيش – المخابرات – النخبة الفرنكوفونية- ..)وكلها تقع داخل السلطة وخارجها ولا تعبر عن واقع الانسان ولا المجتمع الجزائري ولا تقيم معهما اي صلة من صلات التمثيل الشرعي.
يقول الباحث الجزائري هواري عدي (وضعت الجزائر منذ الاستقلال نظاما يوجد فيه سلطتان سلطة عسكرية نصبت نفسها مصدرا للشرعية وسلطة تنفيذية تعتمد على الاولى وبينما امتنعت سلطة الجيش عن وضع مؤسسات لإدارة مسؤولياتها اكتفت السلطة التنفيذية(الشكلية) بإضفاء الطابع المؤسسي على اجهزتها… ان السلطة الحقيقية هي تلك التي تمارسها الدوائر العسكرية والمخابراتية) مما تولد عن هذا عدم محاسبة السلطة العسكرية في كل جرائمها وسلطتها في اعفاء كل المسؤولين في جهاز الدولة دون الرجوع الى قوانين المؤسسات.. وهذا ما دفع احد المناضلين في الحركة الوطنية الجزائرية امحمد يزيد الى القول بوجود اغتصاب لمشروع دولة الاستقلال وبخاصة الطابع التعددي للحياة السياسية وتحييد الجيش في العمل السياسي وهو ما ضيع على الجزائر فرصة بناء الدولة الحديثة وهو نفسه ما اكده عدي هواري في حديثة عن مازق الشعبوية في الجزائر واكد ان الجزائر ضيعت فرصة بناء دولة حديثة بسبب استمرارها في تداول خطاب دعائي (وليس ايديولوجي) ذي نزعة شعبوية دون ان تنتبه الى الفجوة التاريخية التي مرت على عهد الاحتلال وهو المأزق الذي الت اليه اليوم
الدولة الجزائرية لم تستطع ان تبني مجتمعا سياسيا مبنيا على ايديولوجية وجهاز مدني قائم على الشرعية وانما اسست جهازا قمعيا ومخابراتيا في غياب أيديولوجية تقود الصراع لإقامة مجتمع سياسي… فالانتخابات التي حصلت في الجزائر وافرزت مؤسسات ونوابا ورؤساء تناوبوا على السلطة والحكم لم تفرزهم ثقافتهم السياسية ولا دورهم في المجتمع، كل ما في الامر انهم “انتخبوا” و”فازوا” وفق منطق دوائر النفود العسكري في السلطة وترك للشعب امر تزكيتهم كحكام عليه، وعندما منح المجتمع ولأول مرة في تاريخه لكي يعبر عن رايه في انتخابات تشريعية متعددة لعام 1992 وئدت التجربة الديموقراطية في مهدها لتفضح وتفصح عن خلو التاريخ السياسي الجزائري من الرصيد الديموقراطي ودولة الجنرالات والكبرانات لا تنظر الى الشعب الا كمجرد ارقام انتخابية ولا ترى فيه مواطنا محملا بحقوق وحريات عامة سياسية واجتماعية واقتصادية لذا لا تطل عليه هذه السلطة القاهرة الا في الملاعب الرياضية وفي شاشات الاعلام الموجه بجهاز التحكم من مقر القيادة العسكرية الحاكمة، وهناك في الملاعب الرياضية يطل الرئيس على الجماهير المنقادة قسرا الى الملاعب الرياضية ليستعرض “القوة الضاربة” لبلده بالسب والشتم والاهانة لجاره المغربي والكذب على مواطنيه وشعبه بخطاب شعبوي مترهل بغيض وبئيس تقلص فضاؤه الى جملة من التظاهرات الرياضية والاحتفالات العسكرية وذكريات “البطولة الوطنية” حتى تضخمت بسبب ذلك الذاكرة الجماعية وفقد الانسان الجزائري وعيه بالتاريخ.
لقد جعل النظام الجزائري من الرياضة ومن “فوز” منتخباتها الصغرى والكبرى والدنيا و “العظمى” مادة اعلامية وتوجيهية مقدمة على كل القضايا المصيرية لا تقل اهمية عن الفوز في المعارك الحربية، حتى ان شيخ القوات العسكرية الحاكمة هو اول من يفتتح التظاهرات الرياضية واول من يعطي انطلاق المسابقات الرياضية واول من يهنئ بالفوز ” التاريخي” للمنتخب ولو كانوا صبيانا، كما يشرف حضوريا على توزيع الميداليات اما الرئيس فيتكلف بترديد “قسم” الجيش امام الجماهير الحاضرة ( لتحيا الجزائر !!!)
ركب النظام الجزائري على الرياضة وكرة القدم خصوصا لنفت سمومه وكراهيته للمغاربة فوجه اعلامه بكافة الوانه وتوجهاته “المتشابهة” في الهدف والرؤية ليكون سلاحا أيديولوجيا ودعائيا يشعل به فتيل الفتنة والتعصب والكراهية والحقد بين الاخوة الجارين وتبدو هذه الصورة المأساوية والهزلية في ذلك التصرف المخزي والصبياني الدال على دونيتهم وضعفهم وذلهم حين انكشف للجميع الحقد الدفين الذي تكنه دولة “الكبران شاف” للمغرب والمغاربة حيث تجاهلوا تعاطف جماهير الامة العربية والاسلامية والاممية انجاز اسود الاطلس في بطولة العالم بقطر وهو ما يؤكد رغبة اعلام العسكر ومخابراته تصوير المغرب وشعبه على انه عدو خارجي للجزائر، وكل ما يأتي منه فهو ممنوع للنشر الا ما يخدم اجندة النظام العسكري تحريفا وتزييفا للحقائق وهذه السياسة العدوانية الرخيصة والجبانة هي التي استمرت منذ مدة داخل النظام الجزائري في تصفية المعارضين الوطنيين واتهامهم بخيانة “الثورة” وتستعمل اليوم ضد جاره واتهامه بالتواطؤ مع اعداء الامة، وهذه “الثقافة السياسية” المنبعثة من دهاليز المخابرات العسكرية هي التي خلفت فراغا فكريا وسياسيا خطيرا لذى النخبة والعامة وكانت السبب في اخفاق محاولة بناء الدولة والمجتمع.
المواطن الجزائري ليس هو الذي يقاد عنوة الى الملاعب و يروض كالحيوان في المدرجات، وليس هو الذي يردد شعارات الخزي والعار ضد الشقيق والصديق، وليس هو الذي يأكل من مزبلة النظام، ولكن هو ذلك المواطن الذي يتطلع الى المستقبل في بناء دولة حداثية ديموقراطية، المواطن الجزائري سبق ان خرج منتفضا ضد مغتصبي السلطة في حراك شعبي، كما رفض ان يعطي قيمة للمصلحة العامة لأنها مرتبطة بأشخاص وجهاز قمعي عسكري اغتصب السلطة والثروة وقبلهما اغتصب (الثورة) واستمر هذا المواطن المخنوق فكرا وسياسة واقتصادا وثقافة في التنديد والطعن في مؤسسات الدولة (الشكلية) والتي لا يرغب في الاعتراف بها الى درجة حدوث القطيعة بين السلطة والمواطن
فماذا بقي لسلطة العسكر ؟ بقي له “شعب” الملاعب والمدرجات حتى يستمر في اداء مسرحي ملهاتي !!!

الاخبار العاجلة