“التزكيات” .. الحرب التي وضعت أوزارها

17 أغسطس 2021آخر تحديث : الثلاثاء 17 أغسطس 2021 - 12:21 مساءً
admintest
كتاب وآراء
“التزكيات” .. الحرب التي وضعت أوزارها

– بقلم : عزيز لعويسي

بالانطلاق الرسمي لعملية إيــداع التصريحات بالترشـح للانتخابات العامة لثامن شتنبر المقبل، والتي ستمتـد من يـوم الاثنيـن 16 غشت إلى غاية يـوم الأربعـاء 25 غشت 2021 على الساعة (12.00 ) زوالا، تكون حرب “التزكيات” قد وضعت أوزارها، مخلفة حالــة من اليـأس والرفض والسخط والإدانة والاحتجاج، وسـط شرائح واسعة من مناضلي الأحـزاب السياسية، الذيـن وقفت صخـرة “التزكيات” سدا منيعا وحصنا حصينـا أمـام حقهم المشروع في الترشـح للانتخابات، سعيـا وراء فـرص تسمح بالإسهام في تدبير الشأن العام.

حرب “التزكيات “هي أكبـر من عملية لامناص منها، تفرضها العمليات الانتخابية، هي مرآة باتت عاكسـة أكثر من أي وقت مضى، لواقــع حال الأحزاب السياسية، لمـا وصلـت إليـه من هــوان سياسي، مكـرس لمفهـوم “الدكان السياسي” الذي لا يجد حـرجا في فتـح أذرعـه للعابثين والمتهوريـن والوصوليين والانتهازييـن، الذين يجعلون من السياسة وتحديدا من الأحزاب السياسية، مطية لتحقيق الارتقـاء السياسي والاجتماعي والاقتصادي، في مجال سياسي لازال أبعد ما يكــون من آليات ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفـلات من العقاب.. حرب توضح مرة أخـرى أن الانتخابات باتت اليـوم، أشبـه بالوزيعـة السياسية، التي لا تعتـرف بالالتزام الحزبي ولا بالتقيـد غير المشروط بالخطوط الإيديولوجية للأحزاب السياسية، إلا لغـة الأنانية المفرطة التـي تؤسـس لعلاقات برغماتية بين الأحزاب السياسية ومناضليها مبنية في شموليتها على “المصلحة”، إلا مـن رحـم ربـي.

دليلنا في ذلك، أن جل الأحـزاب السياسية إن لم نقل كلها، لـم تسلم من جائحـة الصراعات الداخلية في إطار تدبيـر ملف “التزكيـات”، التي بات حالها كحـال “صكـوك الغفران” أو كتلك الحسناء الشقراء، التي تأسر العقـول وتفتـن القلوب في مواسـم الانتخابات، ولا يظفـر بهـا إلا الأوفيـاء والمخلصين ومن يجيد رقصة “التسنطيحة” و”تخراج العينين”، ومـن يحمل “الشكارة” القـادرة على الحصـاد ومن كان له في القسمة نصيب … مما أطلـق العنــان لمشاهـد الرفـض والإدانـة والاتهام والاحتجـاج، لتكــون النتيجة التي لامنــاص منها، استقــالات بالجملة لم تسلـم منها حتى الأحـزاب السياسية الكبرى، وديناميـة غير مسبوقــة فـي بورصـة الترحـال السياسي، التـي لا تعتـرف بقواعد اليمين ولا بضوابط اليسـار ولا بــحـدود الالتــزام الحـزبـي، إلا المصلحة وهواجـس الربـح والخسـارة.

حرب “التزكيات”، تعكس أزمة الأحزاب السياسية بيسارها ووسطها ويمينها، والتي باتت تنشغل بالانتخابات والتزكيات وهواجس الربح والخسارة، أكثر من تأطير المواطنين وخدمتهم والاستجابة لتطلعاتهم وفق برامج انتخابية حقيقية تخضـع لسلطة ربط المسؤولية بالمحاسبة، كما تعكس أزمة في مفهوم المناضل السياسي، الذي باتت تتحكم فيه نعرات المصلحة والبحث عن الارتقــاء، بدل القرب اليومي من المواطن والاستماع إلى نبض المجتمع والنضال والترافع من أجل المصلحة العامة ولاشيء غيرها، وإذا انتقدنا المشهد الحزبي، فنحن لانوجه أصابع الاتهام لأحزاب سياسية دون غيرها، لأن القاعدة عامة تؤكد أن “ولاد عبدالواحد.. واحد”، ولابديل اليـوم، إلا بالارتقاء بمستوى الديمقراطية الحزبية وتعزيز آليات الحكامة الداخلية وما يرتبط بها من تدبير ناجع وشفافية ونزاهة ومحاسبة والتزام تام بسلطة القانون، وقطـع الطريق أمام العابثين والمنحطين، وفتح أبواب الأمل، أمام الكفاءات الحقيقية المشهود لها بالخبرة والاستقامة والمواطنة الحقـة، بعيدا عن الولاءات والترضيات والتسويات.

حرب “التزكيات” وضعت أوزارها، وبعد استحقاقات ثامن شتنبر، ستندلع حرب الاستــوزار التي ستكون وبدون شك، أشد حرارة وشراسة، كما ستندلع حربا أخرى لا تـقل أهمية، فيمـا يتعلــق باقتسام مناصب المسؤولية على مستوى مجالــس الجماعات والمقاطعات والعمــالات والأقاليـم والجهات، وهذا يجعلنا أمام ممارسات حزبية وسياسية، لازالت تشتغل بمنطق “الوزيعة” التي تكـــرس مفهوما للوطن مرادفا لتلك البقــرة الحلوب، التي لا تصلح إلا للحلب والنهب والسلب، وهذا ما يوســع من دائـرة العزوف عن المشاركة في الانتخابات ويعمق بـؤرة النفـور من العمل السياسي بكل مستوياته، ووضع مقلـق هكـذا، لايمكن كبح جماحه، إلا بتخليق الممارسة الحزبية والسياسية وربط المسؤولية بالمحاسبة واستحضار المصالح العليا للوطن، وبتوفر إرادة حقيقية في التصدي لكل صناع العبث والفساد والمتربصين بالمـال العام، وهذه هي مفاتيـح كسب رهانات مشروع النموذج التنموي الجديد، والتأسيــس لمجتمع القانـون و الحقوق والمسـاواة والعدالـة الاجتماعية، وتقويـة اللحمة الوطنية، التي تسمح بالتصدي لكل ما يتهدد الوطــن من دسائس ومؤامـرات، وما يواجهه من تحديات آنيـة ومستقبلية.فيكفي عبثـا وقســوة، لأن الوطـن لـم يعـد يحتمــل …

الاخبار العاجلة