الاعتذار المطلوب من العثماني!

18 سبتمبر 2021آخر تحديث : السبت 18 سبتمبر 2021 - 8:45 مساءً
admintest
كتاب وآراء
الاعتذار المطلوب من العثماني!

انطلقت كما هو معلوم يوم الاثنين 13 شتنبر 2021 الجلسات التشاورية الخاصة بتكوين الائتلاف الحكومي التي يقودها وزير الفلاحة السابق عزيز أخنوش، باعتباره رئيس الحزب الذي تصدر نتائج الانتخابات التشريعية ليوم الأربعاء 8 شتنبر 2021 بحصوله على “102” مقعدا، والمعين يوم الجمعة 10 شتنبر 2021 رئيسا للحكومة من قبل الملك محمد السادس الذي كلفه بتشكيل أغلبية حكومية جديدة. حيث أنه استقبل في المحطة الأولى أمناء الأحزاب حسب النتائج المحصل عليها، بدءا بعبد اللطيف وهبي الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة الذي حل ثانيا ب”86″ مقعدا، تلاه نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال صاحب الرتبة الثالثة ب”81″ مقعدا، ثم ادريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، صاحب الرتبة الرابعة ب”35″ مقعدا…
وخلال المحطة الثانية ليوم الأربعاء 15 شتنبر 2021، وكما كان متوقعا لدى الكثير من متتبعي الشأن العام ببلادنا، تخلف الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة المنتهية ولايته سعد الدين العثماني، الذي اعتذر عن الحضور لتك الجلسات التشاورية. وهو ما عزاه بعضهم إلى فقدانه الصفة والأهلية بعد استقالته من منصب الأمين العام للحزب فيما يرى آخرون أنه مازال لم يستفق بعد من هول الصدمة على إثر الاندحار المدوي، وتقهقر الحزب من الرتبة الأولى إلى الثامنة ب”13″ مقعدا فقط، بعدما كانت نتائجه لا تنزل عن سقف مائة مقعد في الولايتين التشريعيتين السابقتين.
فمن البديهي أن يقدم العثماني الجريح مضطرا اعتذارا عن عدم حضور مشاورات يعلم مسبقا أنها لن تفيده وقيادات حزبه في شيء، وهم الذين اعتادوا منذ توليهم السلطة على ترجيح مصالحهم الذاتية والحزبية الضيقة على المصلحة العليا للوطن وأبنائه. لكنه نسي أنه من النبل السياسي على رجل كان يحتل المرتبة الثانية في هرم السلطة طوال خمس سنوات، أن يبادر إلى تهنئة غريمه عزيز أخنوش على فوز حزبه “التجمع الوطني للأحرار” في الانتخابات الثلاثية غير المسبوقة، والثقة المولوية التي حظي بها في تعيينه رئيسا للحكومة طبقا للفصل 47 من الدستور، بدل التشكيك في النتائج متعللا بكون ممثلي مرشحي حزبه لم يتسلموا محاضر مكاتب التصويت في حينه، والإسراع في الاعتذار للشعب المغربي عن خذلانه، قبل إشهار الاستقالة الجماعية لأعضاء الأمانة العامة للحزب، غداة ظهور نتائج اقتراع الثامن من شتنبر 2021.
ترى لماذا يجب على العثماني تقديم الاعتذار للمغاربة؟ في واقع الأمر ليس وحده العثماني من يتعين عليه الاعتذار، بل هناك أيضا سلفه عبد الإله ابن كيران الأمين العام السابق للحزب ورئيس الحكومة الأسبق وجميع القياديين الذين تحملوا مسؤولية تدبير الشأن العام المحلي والحكومي. فالبيجيدي بجميع هياكله وأطره مسؤولون عما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من ترد وتأزم خلال السنوات العشر العجاف وخاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي عرفتها بلادنا جراء تداعيات جائحة “كوفيد -19″، وعلينا اليوم أن نسائلهم عن مصير تلك الشعارات الرنانة التي رفعوها في انتخابات عامي 2011 و2016، والوعود التي قطعوها على أنفسهم أمام الناخبات والناخبين من أجل محاربة الفساد والاستبداد، تخليق الحياة العامة وتجويد الخدمات الاجتماعية في التعليم والصحة والقضاء والإدارة، الارتقاء بمستوى عيش المواطنين وتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية وخفض معدلات الفقر والأمية والبطالة…
فقد كان حريا بالعثماني ورفاق دربه في حركة التوحيد والإصلاح وحزب المصباح تقديم اعتذار فصيح وصريح لكافة المغاربة، حيث أنهم انشغلوا عنهم بتحسين أحوالهم الشخصية والعائلية والحزبية، من خلال التهافت على المناصب والمكاسب وتعدد الأجور والتعويضات، ألم يقل كبيرهم صاحب المعاش الاستثنائي “الخرافي” ذات لقاء أمام أعضاء المجلس الوطني للحزب، بأنهم جاؤوا للسلطة بهدف حل مشاكلهم الشخصية ومشاكل الدولة ثم مشاكل المجتمع، وأنه ليس من العيب إطلاقا الاهتمام بأحوالهم المادية؟ ألا يتضح من هكذا تصريح أن البيجيديين يختزلون العمل السياسي، في القدرة على إيهام المواطنين بالإصلاح والتغيير ودغدغة عواطفهم، عبر استغلال الدين وإطلاق الوعود الخادعة، ادعاء الزهد والطهرانية وخطاب المظلومية وازدواجية المواقف، لغرض الوصول إلى مناصب المسؤولية، ليس للترافع عن هموم وقضايا البلاد والعباد، وإنما قصد تحقيق الامتيازات المادية، وهي الخلفية الريعية التي ظلوا حريصين على تكريسها عوض اجتثاثها من جذورها…
كثيرة هي المؤاخذات الشعبية على حكومتي البيجيدي التي تستوجب تقديم العثماني اعتذارا عنها للمغاربة، باعتباره الأمين العام “الأخير” للحزب الأغلبي ورئيس الحكومة المنتهية ولايتها، لأنه لم يستطع تدارك أخطاء سلفه وفشل في اجتراح حلول ملائمة لأبرز المشاكل المطروحة بشدة. أليس حزبه هو المسؤول على إقرار نظام التعاقد، الارتفاع المتواصل في الضرائب وأسعار المواد الأساسية، خاصة بعد “إصلاح” صندوق المقاصة وتحرير أسعار المحروقات؟ فمن غيره اتخذ قرارات جائرة واعتمد سياسات لا شعبية أججت نيران الغضب الشعبي؟ ومن أغرق البلاد في مستنقعات المديونية وأجهز على أهم المكتسبات الاجتماعية من إضراب وتقاعد ووظيفة عمومية؟ ومن أطلق يد الأجهزة الأمنية في قمع المتظاهرين السلميين من الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد وأطباء الغد وغيرهم؟
إن اعتذار أو عدم اعتذار العثماني على تخلفه عن حضور مشاورات خلفه في تشكيل حكومة جديدة، لا يهم الشعب المغربي من قريب ولا من بعيد، بقدر ما يهمه الاعتذار على إخلال حزبه بوعوده الانتخابية وتخلفه عن موعد التغيير والإصلاح، رغم ما توفر له ولسلفه من شروط النجاح…
اسماعيل الحلوتي

الاخبار العاجلة